قتلة الأمل
قتلة الأمل
لقاء روجيه غارودي (1)
رحب شيخنا بالدكتور روجيه الذي أصر أن اسمه صار رجاء وتمنى له إقامة طيبة.
قال روجيه مهتماً: إن المدنية الغربية في طريقها إلى الموت لغياب الأهداف وإننا نرى انتشار قتلة الأمل الذين يحاولون إقناع الشباب بأن حياتهم لا معنى لها لا يُمكن أن يُترك المستقبل لهذا العالم الغربي، فقد هيمن خمسة قرون على مقدرات البشرية، فاتجه للإبادة أكثر بكثير مما اتجه للتعمير.
وما جذبني للإسلام هو الصوفية وكل الذين يسلمون الآن من العالم الغربي أحبوا الصوفية، وهي موجودة في كل الأديان ولكن بأشكال مختلفة وهو التوجه الروحي.
ردّ شيخنا: معنى الصوفية عند الآخرين هي العناية بالروح مع إهمال الجسد والرهبانية، وهذا خطأ ومخالف للطبيعة، الإسلام يبسط جوانبه الروحية على أمور الحياة وحتى المعاملات فالإنسان يراقب الله في كل تصرفاته وهذه وظيفة الدين هذا التوازن في الإسلام في سعيه للدنيا كما هو في سعيه للآخرة، فعليه أن يسعى في الأرض، ويمشي في مناكبها ويبذل كل جهده من خلال أوامر الله.
الإسلام يبسط جوانبه الروحية على أمور الحياة وحتى المعاملات
هكذا فهم الصحابة والمسلمون العمل في الدنيا والعمل للآخرة كانوا يتقون الله حق تقاته ويضحون بأنفسهم وأموالهم في سبيل الله وزارعين في الدنيا كل الخير لكل من حولهم، وهذه الصوفية ليست شيئاً آخر سوى تزكية القرآن للنفس المؤمنة، مع التزام الشريعة أولاً وعلى أيِّ حال إن هذه الطرق كان لها الفضل في استمرار الإيمان تحت أقسى الظروف المعروفة في معظم البلاد، ومن الخطأ أن يظن البعض اليوم أن التزكية في عصر العقلانية لا دور لها فالعكس هو الصحيح.
ردّ روجيه غارودي متحمساً:
كثير من رجال الغرب عرفوا الإسلام من خلال التصوف والآن وفي هذا العصر هناك موجة جديدة للتحول إلى طرق الصوفية، فكل من ينادي بالتغيير يتجه نحو التصوف الذي جوهره تزكية النفس كما ذكرتم سيدي، لأنهم الآن في شك متزايد باستمرار ليس فقط تجاه العقلانية والمنهجية المادية الغربية، بل في أنظمة المجتمع الغربي نفسها التي أنتجت الفاشية والنازية، والحرب النووية، وتخريب الشعوب الضعيفة، واستعمارها ونهبها لثرواتها.
وتابع متحمساً: إن الجيل الصاعد قد فضح زيف التقدم الغربي، ورأى أنه محض مبالغات يرثى لها، لذلك يحاول الكثير من الشبان الآن تصحيح خطأ هذا التطور وهذا التجاوز بالارتماء في أحضان نقيض العقلانية لعله يجد من يعصمه ويستسلم له فيرتاح وتطمئن نفسه القلقة أبداً.
كان شيخنا يصغي إليه باهتمام ثم قال: ذكرتُ في المؤتمرات التي كنت أحاضر فيها أن لا حل إلا بالعودة إلى شريعة الله فهو أعلم بما يسعد عباده.
لا حل إلا بالعودة إلى شريعة الله فهو أعلم بما يسعد عباده
قال روجيه: الخيار الأخير كما قال: “كارل رانر” أن المسيحي سيكون في المستقبل إما صوفياً وإما ملحداً.
قال شيخنا: الإسلام ليس سكوناً وتماوتاً، وشخوصاً إلى السماء، واستسلاماً، بل هو كما قال رسولنا الكريم: «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان» ([1]).
استعن بأوامر الله وخطة الله لتصحيح ما مضى وزرع لما يستقبل الخلاصة (اعقل وتوكل) أجاب الدكتور روجيه منفعلاً: لا خيار سوى الإسلام وبهذا لا تنقطع الصلة بين العقلانية والتصوف.
أجاب شيخنا: المسلم مسؤول مسؤولية شخصية عما يفعل وعما يقول، يقول النبي صلى الله عليه وسلم «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته» ([2]).
فكلكم مسؤول -الرجل والمرأة- لا استثناء والمسلم في ثقة كبيرة أن الله سيجزيه خيراً على أفعاله الخيرة وعقوبة على أفعاله الشريرة والسيئة.
عقب روجيه قائلاً: يجب أن نسمع الآخرين فلن يتم أي حوار وانسجام إلا إذا أصغى كل إلى الآخر.
قال شيخنا: لن يقتنع أحد بمن يحاوره إلا إذا أيقن أن لديه ما يتعلمه منه أو يصحح به خطأه.
لن يقتنع أحد بمن يحاوره إلا إذا أيقن أن لديه ما يتعلمه منه أو يصحح به خطأه
سكت الدكتور روجيه لحظة ثم قال مندفعاً:
ذكرت كثيراً في كتبي أن ما أُنكِرُهُ على الحضارة الغربية: أن تضع نفسها مكان الصدارة وحدها ملغية الحضارات الأخرى العريقة ومن الخطأ الجسيم أن يضع الغرب نفسه موضع المعلم لجميع الأمم، لأنني إذا كنت منطلقاً من كوني أمتلك الحقيقة الكاملة المطلقة النهائية فليس هناك إمكانية للحوار هذا هو تعريف “الدوغماتيه” التي هي إنكار الآخر وعدم احترام انسانيته.
أعاد روجيه: ما دمت معتقداً بامتلاكي للحقيقة المطلقة أعتبر كل من يخالفني الرأي إما مريضاً عقلياً، وإما مجرماً ينبغي عقابه هكذا بدأت محاكم التفتيش عملت على إحباط الإنسانية بدلاً من تعميقها وتوعيتها.
قال شيخنا: المعرفة الإنسانية محدودة وتبقى معرفة نسبية ومؤقتة ولكن كلام الله أوضح من كل ذلك.
هزّ روجيه رأسه قائلاً: للأسف التاريخ لا يعطي حقائق وظن المسلمون أن التفوق التقني هو تفوق على المستوى الحضاري ولكنه تدهور أخلاقي وإنساني الكارثة أن البلدان الإسلامية لم تميز بين الحداثة والغربية، وظنت أن كل ما لدى الغرب تفوق وحضارة وتقدم، ما أنكره دائماً أن نجعل الحضارة الغربية قدوتنا إن تخلينا عن الحكمة والوعي والإنسانية يعني أن يصبح الإنسان بربرياً.
قال شيخنا: إذا فقد الإيمان صار الإنسان مجرماً أو شيطاناً ولا يمكن العيش بمجتمع إذا ألغى من وجوده التسامي في الإنسانية.
ردّ الدكتور روجيه: عندما يعيش إنسان بدون قيم مع إنسان مؤمن يحمل أخلاقاً كبيرة يمكن أن ينتصر عليه كما فعل الأمريكيون تجاه العبيد فقد قتلوا منهم من مئة إلى مئتي مليون إنسان، كذلك عندما فرض الغرب تجارة الأفيون الحرة في الصين لتنفيذ أطماعه أفسدوا الأخلاق والأرواح فهل هذا انتصار للمدنية والحضارة على التخلف والبربرية؟
صدقني الآن في الغرب تطرح كثيرٌ من التساؤلات حول شرعية وحقيقة القيم التي يعتقدها الغرب.
ردّ شيخنا بأسف: آثار الاستعمار ما تزال ظاهرة خاصة في البلدان التي يحكمها قادة تخرجوا من جامعات الغرب، وتأثروا بأفكارها وللأسف كل هم الأفراد والحكومات كان ينصب على نقل نموذج المجتمع الغربي مع سلبياته إلى بلادنا، ولن نُنقَذُ مما نحن فيه إلا بالارتباط ببرنامج الله ارتباط الغريق بالسباح الماهر والخير موجود في كل نفس كطبقات التربة الخصبة كلما ضرَبَتْ الجذور فيها وجدت عناصر الغذاء والماء.
سأل الحواريون عيسى عليه السلام يا روح الله:
أعلى الأرض اليوم مثلك؟
قال: نعم من كان منطقه ذكراً وصمته فكراً ونظره عبرةً فإنه مثلي.
الذكر شعلة في القلب يرى الذاكر بها الحقائق الروحية وحكمة الحقائق الدنيوية وهي النعيم الحقيقي وهل النعيم إلا نعيم القلب؟!
الذكر شعلة في القلب يرى الذاكر بها الحقائق الروحية وحكمة الحقائق الدنيوية
وهل العذاب والجحيم والهم والحزن إلا في القلب؟!
المهم تعميق منابعنا الروحية، لأنه عندما تطغى ظلمات الروح، ودسائس النفس يشعر الإنسان بأنه يقتل نفسه وروحه ولا يجلي لك الغمة وينير تلك الظلمة إلا تزكية النفس وكثرة ذكر الله.
تجديد الحياة ينبع من داخل النفس باتجاه الإيمان فيجرف معه كل خوف وكل أنانية والمؤمن القوي لا تخضعه الظروف المحيطة به بل يستفيد من كل ظرف.
تجديد الحياة ينبع من داخل النفس باتجاه الإيمان فيجرف معه كل خوف وكل أنانية
هز الدكتور رأسه موافقاً وسعيداً بما سمع.
[1])) صحيح مسلم: 2664 / كتاب القدر / باب في الأمر بالقوة وترك العجز والاستعانة بالله وتفويض المقادير له.
[2])) صحيح البخاري: 893 /كتاب الجمعة/ باب الجمعة في القرى والمدن.
البعض لا تنقصه الحقيقة
البعض لا تنقصه الحقيقة
النفس والعقل الإنساني لا يمكنه أن يرفض الحقائق الإلهية التي سلمت من تشويه الإنسان
إن خلود القرآن إلى يومنا هذا وعدم تحريفه جعل كل من يطلع عليه ويفهمه يصل إلى الإيمان به ويستشعر أنه من خالق الخلق). كان الضيف يكتب كل كلمة يقولها شيخنا بعد أن يشرحها المترجم ويهز رأسه موافقاً لكل ما يقول، ثم قال: سبحان الله إننا غارقون في أمورنا العملية اليومية لذلك لا يتسنى لنا الوقت لننظر إلى أنفسنا كثيراً، حتى إننا لا نعرف كيف نسعد أنفسنا، فعلاً كنت تعيساً، فالجانب الروحي في حياتنا يكاد يكون معدوماً وهذا سبب بلاء كل المجتمعات الغربية. وتابع بانشراح: لقد سعدت بالإسلام حقاً، ولو تسنى للآخرين ما تسنى لي لنعموا بالصلة الإلهية. ثم أمسك يد شيخنا بحنان وقال: شكراً لكم، أنتم أحييتم روحي، وأعدتم التوازن لحياتي، أعدكم بالعودة مراراً حتى أزداد قرباً من الله وفهماً للدين، وادعوا لي أن أبلغ الرسالة إلى من حولي. قال شيخنا مبتسماً: (الكلمة الحقة الحكيمة قد تلقى في بداياتها صعوبة كأية ولادة، ولكن بعدها تتحول الآلام إلى فرح وسرور. لا شيء مقدس إلا الحقيقة، والله هو الحق، ويجب أن نبدأ ونقرر البدء بتعريف الآخرين بما يسعدهم حقاً). صمت الضيف مفكراً وهو يدون كلمات شيخنا في مفكرته ثم قال بتضرع: سؤال أخير يا شيخنا. سألت الكثير من رجال الدين عن موضوع التدخين، منهم من حرمه ومنهم لم يحرمه، بل جعله مكروهاً، وأريد أن أسألك ما رأيكم بالتدخين؟ ضحك شيخنا ونظر إليه ملياً وقال: (ما رأي العلم في التدخين). بهت الضيف، كان يظن أن شيخنا سيقول: حرام، أو لا بأس مكروه. قال الضيف بعد إطراقه: فعلاً العلم أثبت ضرره الشديد. فقال شيخنا: (الدين لا يتناقض مع العلم، بل يسترشد به ويتفق معه، إذا قال العلم أن هذا مضر، فالإسلام يقول: «لا ضرر ولا ضرار»([3]).الدين لا يتناقض مع العلم، بل يسترشد به ويتفق معه
وعلمت أيضاً أن الذي يستنشق رائحة الدخان مع أنه لا يكون مدخناً يحصل له ضرر كبير!). قال الضيف: هذا صحيح، هذه حقيقة علمية. قال شيخنا: (البعض لا تنقصه الحقيقة أو العلم، ولكن ينقصه تجاوز أهوائه وشهواته لينقاد للحق والهدى).البعض لا تنقصه الحقيقة أو العلم، ولكن ينقصه تجاوز أهوائه وشهواته لينقاد للحق والهدى
فقال الضيف: شكراً شكراً، جوابكم حكيم، فعلاً أنتم شيخ الحكمة. ودّع الضيف شيخنا ولامست شفتاه ركبة شيخنا وهو يقول: حماك الله للإسلام وأسعدنا بلقياك دائماً. ([1]) سنن أبي داود عن سالم بن أبي الجعد بلفظ: «يا بلال أقم الصلاة أرحنا بها». ([2]) حلية الأولياء. ([3]) موطأ مالك، مسند أحمد.لا بد أن نلتقي و سيكون السلام
لا بد أن نلتقي و سيكون السلام
وفد صحفي من أوربا وألمانيا خريف 1997
دخل شيخنا الصالون بلباسه الأبيض ووجه يشع نوراً ووقف أعضاء الوفد وكلٌ ينظر إليه محاولاً معرفة كنه هذا الرجل الذي نصحهم الكثير بلقائه ممن اجتمعوا بهم سابقاً، رحب شيخنا بهم وكان يرنو إلى كل واحد منهم بابتسامه فرحاً بهم.
قام أحد الصحفيين الألمان وسأل شيخنا: هل من الممكن أن يدرس الجيل القادم المسيح والمسيحية ولا يكتفي بدراسة القرآن فقط؟
ابتسم شيخنا وهز رأسه قائلاً: في الحقيقة القرآن اشتمل على حياة المسيح وحياة الأنبياء جميعهم، وثاني أكبر سور القرآن سميت باسم عائلته آل عمران تقديساً له، وذكر فيها معجزات المسيح وأنه من روح الله وقد دافع عنه تجاه خصومه من اليهود وأذاهم وهناك أيضاً سورة خاصة باسم السيدة مريم ذكر فيها ولادة المسيح وحضور الملائكة ومخاطبتهم لها {وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِين }([1]).
ولعل ما ذكره القرآن عن السيدة مريم أكثر مما ذكره الإنجيل وفي القرآن نفسه عندنا دراسة قرآنية كبيرة عن المسيح والمسيحية، ولو أن إخواننا المسيحيين درسوا القرآن دراسة عميقة لعرفوا ذلك ولكُنّا معاً في حالة تُسِرُّ الله والملائكة في الأرض وفي السماء.
ونحن نقرأ الأناجيل الأربعة ونقرأ الأناجيل التي لم يُقرها مجتمع (نقيه) مثل إنجيل برنابا ونعلم أموراً كثيرة عن المسيح والمسيحية، ونحن بحسب إيماننا نؤمن بالمسيح ورسالته كما نؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم ولو عرف إخواننا المسيحيون سيدنا محمد لأحبوه كما نحب نحن المسيح ونقدسه ولا نقلب العالم كله إلى عالم واحد متآخي باسم الله تحت ظل تقديس المسيح ومحمد واحترامهما.
وسيدنا محمد ما أتى لينقض رسالة المسيح وما قال أنا سأبني دار الإيمان بل قال إنه الحجر الأخير في تمام البناء وجاء ليتم هذه الرسالة.
وكنت قد اقترحت في أكثر من مؤتمر عالمي أن يؤلف كتاب شرح المسيحية من قبل المسيحيين وكتاب شرح الإسلام من قبل المسلمين ويطبع في مجلد واحد ليتعرف أبناء الدينين على بعضهم البعض من خلال القرآن والإنجيل.
إخواننا المسيحيون يؤمنون بالله الواحد أما هكذا؟
نحن متفقون على هذا، سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ورسالته عرَّفت أكثر من مليار إنسان بالمسيح وأمه ورسالته ألا يجب على إخواننا المسيحيين أن يعرفوا هذا الذي آمن به مليار إنسان ضمن أربعة عشر قرن وكلهم يقدسون المسيح ويؤمنون به لا أريد أن أقول إن إخواننا المسيحيين عملوا على عكس ما فعله المسلمون في وقت مضى ولا نسأل عن الماضي، ولكن أؤمن أن إخواننا المسيحيين لو درسوا رسالة محمد صلى الله عليه وسلم الدراسة الصحيحة من مصادرها الأصلية لانقلب كوكب الأرض إلى جنة الأرض قبل أن نصل إلى جنة السماء، وأنا أؤكد أن القرن الواحد والعشرين قرن تلاقي الإسلام والمسيحية وزارني مرة سفير كندا فسألني كم عدد المسيحيين في سورية وهو يعلم أن نسبتهم 13% فقط فقلت:
رسالة سيدنا محمد عرَّفت أكثر من مليار إنسان بالمسيح وأمه ورسالته
إن كل الناس في هذا البلد مسلمين ومسيحيين لأن كل من يؤمن بالمسيح هو مسيحي.
نتمنى من إخواننا المسيحيين أن يعرفوا هذا ويقابلوا التحية بمثلها ولكن عن دراسة وعلم وعندئذٍ سيقام لنا احتفالاً في السماء لتلاقينا، أمرنا الله أن نؤمن بالمسيح وبكل الأنبياء حتى أن رسولنا الكريم قال: «أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم في الأولى والآخرة» قالوا: كيف؟ يا رسول الله، قال: «الأنبياء إخوة من علات، وأمهاتهم شتى، ودينهم واحد، فليس بيننا نبي»([2])، وسيقوم الشيطان وحزبه احتجاجاً على تلاقينا، ضحك شيخنا وضحك الجميع.
قال أحد الصحفيين: حقاً مرًّ علينا ثلاثة عشر قرناً ولم يكن تصرفنا بالشكل الذي تتفضلون به، نحن أقرباء ولكننا لم نتصرف بما يمليه القرآن، والحروب الصليبية ليست من نتاج هذه القرابة، ولكن لا نستطيع أن ننفي هذه القرون التي مضت لأنها من صلب التاريخ المؤسف.
قال شيخنا رحمه الله باسماً: القرآن يحدثنا من هذا الموضوع في تناسي تلك الأخطاء، فقال: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ}([3]).
فنحن أبناء هذا العصر ولا نسأل عن الماضي فالحروب الصليبية كان لها أجواؤها وجهلها أما الآن فتغيرت الدنيا كلها، أما آن للأفكار العتيقة التي ما زالت تسيطر على عقولنا أن تتبدل؟
ما يعرفهُ الإنسان الآن غير ما يعرفه قبل مئة سنة فضلاً من مئات السنين السابقة العالم الآن صار قرية واحدة وبيتاً واحداً فلماذا لا نعمل على نشر الخير والمعرفة؟
قال رئيس الوفد: أحب أن أضيف شيئاً، يوجد أمور مشتركة ولكن ما زالت هناك نقاط خلاف واختلاف، فمثلاً عندما نقرأ الإنجيل وما فيه عن السيد المسيح وشخصيته وطبيعته نرى في القرآن شيئاً مغايراً لذلك فكيف نتعامل مع هذا الاختلاف؟
قال شيخنا وقد اعتدل في جلسته: نحتاج إلى مترجم جيد فإذا كانت الترجمة جيدة فلا خلاف أبداً لأن شخصين قد ينقلوا خبرين لموضوع واحد وبحسن نية لا يكون تأدية أحدهما كالآخر، لذلك في هذه الأمور الهامة لنختار أجود وأكفأ من يعرف بكنه تلك الأمور، وفي رأيي لا خلاف أبداً وأؤكد كما أؤكد رؤيتي لكم أن القرن الواحد والعشرين قرن اللقاء وهذا سيكون من السماء وسترون ذلك.
لم يكن مثل هذا اللقاء ممكناً قبل مئة سنة ويجب أن توسع دائرة اسلام، وأنا أعمل لهذا التلاقي من خمسين سنة وثار عليّ كثير من رجال الدين الإسلامي واتهموني بأشياء كثيرة، وآذوني ولكن الشجرة التي تثمر وتزهر هي التي تصمد ولا تتحول وصار هذا المعنى في بلادنا ونحن أخوة وأنشر ذلك في كل المؤتمرات العالمية، لا بد أن نلتقي وسيكون السلام.
ودّع الوفد شيخنا وهم سعداء بنقاط التواصل وإمكانية السلام.
[2])) صحيح مسلم: 2365 / كتاب الفضائل/ باب فضائل عيسى عليه السلام.