أول الغيث قطرة

ولكن الضعيف لا يبقى ضعيفا

أول الغيث قطرة

الشيخ أحمد كفتارو مع وفد مسيحيوفد كنسي ألماني 13/10/1996

استقبلنا الوفد بالصالون ورحب بهم شيخنا فبادروا إلى شكره على استقباله لهم، قال رئيس الوفد: هؤلاء الضيوف “رعاة” في كنائسهم وعملهم الاتصال بالمسلمين في منطقتهم ومعظمهم من منطقة “وادي الراين” وهي منطقة صناعية يوجد فيها الكثير من المسلمين وخاصة العمال الأتراك، ونظر ملياً إلى شيخنا رحمه الله وأضاف:

الحقيقة أن جوارنا من المسلمين في منطقتنا شيء جديد وطارئ علينا وبدأ في السبعينيات، أتيناكم ونعلم خبرتكم في التعايش بين المسلمين والمسيحيين، ولنستفيد من هذه الخبرة ونتعلم منها، ونعلم سماحة المفتي اهتمامكم الدائم القديم بالحوار بين الأديان، ونحن سعداء جداً لاستقبالكم لنا هنا ولإتاحتكم الفرصة لنتحدث إليكم ونستفيد منكم. ابتسم شيخنا رحمه الله قائلاً:

أرحب بكم رجالاً ونساءً وأرجو لكم في سفركم وزيارتكم التوفيق والسعادة هاتوا ما عندكم؟

قال رئيس الوفد: كيف تنظرون سماحتكم إلى التعايش والوئام بينكم وبين المسيحيين في سورية حسب خبرتكم؟

شبك شيخنا أصابعه واعتدل في جلسته قائلاً:

التعايش بين المسلمين والمسيحيين الذي ترونه في بلادنا هو من منطلق تعاليم الإسلام، أمرنا الله بأن نقدس سيدنا المسيح كما تقدس سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وأن نؤمن برسالته وتعاليمه الأصلية كما نؤمن برسالة نبينا محمد وليس المسيح فقط بل بكل الأنبياء، وفي مواضع وردت في القرآن يقول الله عز وجل أن محمداً أتى مصدقاً لما بين يديه من التوراة والإنجيل كما نزلتا من السماء { آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ}([1]) [البقرة: 285].

أطل علينا شباب المزرعة يحملون الشاي الأحمر المعطر بماء الزهر فشرب منه الضيوف وقد أعجبوا برائحته العطرة.

أضاف شيخنا: في القرآن آيات كثيرة تعلمنا أن رسالات الأنبياء كلها واحدة تقوم على وحدانية الله، وتكريم الإنسان كل الإنسان بغض النظر عن دينه ومعتقده، لذلك تعاملنا مع الجميع ليس على أساس المجاملة بل على أساس تعاليم قوانين السماء الإلهية فالنبي محمد صلى الله عليه وسلم يقول: «أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم في الأولى والآخرة» قالوا: كيف؟ يا رسول الله، قال: «الأنبياء إخوة من علات، وأمهاتهم شتى، ودينهم واحد، فليس بيننا نبي»([2]) والقرآن الكريم يقول: { شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ}([3]).

وفي الإسلام حرية المعتقد للإنسان أي إنسان لكن قد نختلف في بعض العقائد، فمثلاً نحن نعتقد بوحدانية الله بلا ولد ولا والد، ونعتقد أن المسيح لم يصلب ولكنّ الله رفعه إلى السماء كما ورد في إنجيل برنابا وغيره، فالإسلام في عهد الفتوحات يمثل الدولة العالمية ومع كل هذا الاختلاف ما ضغط الإسلام عبر التاريخ على مسيحي واحد فمنعه من عقيدته أو كنيسته، فالإسلام يحرم إكراه الآخرين على تغيير عقيدتهم ونحن نتعامل هكذا مع أبناء الدينين في بلادنا انطلاقاً من عقيدتنا ووصايا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي قال: «آلا من ظلم معاهداً أو انتقصه، أو كلفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفس، فأنا حجيته يوم القيامة»([4]).

أتى الإسلام موضحاً لرسالة السيد المسيح التي تتلاقى مع قول وأعمال الرسل “لا إله إلا الله الأحد” تلاقياً مع كلمة الإنجيل “لله وحده نسجد وإياه وحده نعبد” وإذا لم نلتقِ مع النصارى عصبية فالإسلام يقول: { لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ}([5]) المسلمون أحرار فيما يعتقدون والمسيحيون أحرار فيما يعتقدون ولم تتغير تلك المعاملة في التاريخ الإسلامي وعبر أربعة عشر قرناً لأنها عقيدة دينية سماوية إذا خالفها المسلم يأثم.

أتمنى شخصياً أن يعرف إخواننا المسيحيون جوهر الإسلام الصحيح لنتعاون معاً أمام الإلحاد وأمام بعد الإنسان عن ربّه الذي أوقعه في الجرائم والمسكرات والمخدرات والزنا فكان الإيدز والأمراض الكثيرة. فلنكن جماعة واحدة في بناء الإيمان الأصيل وإعادة الإيمان إلى مكانته الأصلية فالإسلام الآن يحتاج إلى تجديد والمسلمون عملياً بعيدون عن الإسلام، وكذلك المسيحية تحتاج أيضاً إلى هذا التصحيح وأن يدرس كل منها الآخر ولكن بالعودة إلى المنابع الأصلية لا من الواقع العملي. وأعتقد أنا قلبياً وروحياً أن هذا آتٍ وبلقاء المسيحية المتجددة والإسلام المتجدد وبالرجوع إلى الأصول يتحقق السلام العالمي يجب أن نعرف جوهر الدينين نحن نريد أن نشرب الماء من منبعه لا عندما يتكدر وتلقى فيه الأوساخ وبعد أن كان هذا الماء يهب الحياة صار يعطي الأمراض والبلاء. لذلك قويت شوكة العلمانيون والملحدون والشيوعيون والمسؤول عن ذلك هم رجال الكنيسة ورجال المسلمين، ولو عملنا بحكمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لَحُلَّ هذا الإشكال.

يقول رسولنا الكريم «من استوى يوماه فهو مغبون»([6]) استوى يوماه (بالعلم والمعرفة والعلم).

وتفاؤلي روحياً وقلبياً إلهاماً من الله أن اللقاء قريب والسلام لن يأتي من رجال السياسة إنما من رجال الله العقلانيين الروحانيين وأول الغيث قطرة.

([1]) سورة البقرة، الآية: (285).

[2])) صحيح مسلم: 2365 / كتاب الفضائل/ باب فضائل عيسى عليه السلام.

([3]) سورة الشورى، الآية: (13).

[4])) سنن أبي داود: 3052، كتاب الخراج والإمارة والفيء / باب في تعشير أهل الذمة إذا اختلفوا في التجارات.

([5]) سورة الكافرون، الآية: (6).

[6])) رواه الديلمي عن علي مرفوعاً.

ألا بذكر الله تطمئن القلوب

الشيخ أحمد كفتارو
ولكن الضعيف لا يبقى ضعيفا

ألا بذكر الله تطمئن القلوب

دخلت الغرفة فوجدت شيخنا مغمضاً عينيه مستغرقاً في ذكر الله لم يشعر بدخولي انتظرت لحظات وصرت أتنفس عله يشعر بي كنت أخشى أن أزعجه، جلست بجانب السرير وأغمضت عينيّ ثم أطلَّت إحدى الأخوات برأسها فأشرت لها بالجلوس جانبي أغمضنا أعيننا ولفتنا السكينة وخيم السكون على الغرفة بل على المزرعة كلها وأصوات العصافير تزقزق من بعيد وكأنها: تردد رجع قلوبنا الله الله الله فارقتنا أرواحنا وكأنها عرجت إلى بارئها.

مضت أكثر من عشرين دقيقة  ثم تنفس شيخنا طويلاً مردداً الله الله إلهي أنت مقصودي ورضاك مطلوبي وفتح عينيه فرآنا رفع حاجبيه وقال متسائلاً: منذ متى؟ قلت له ضاحكة: منذ غادرتنا إلى أين لا أدري الله أعلم.

قال بحنان: بابا هذا كنزكم بقدر ما تغرفون منه بقدر ما تعطون وتسعدون، أرادت الأخت الخروج فاستوقفها قائلاً: الذكر يا بنتي نور يقذفه الله في القلب فيشع على النفس، فتعرفين عيوبك، وتبصرينها، ويعطيك طاقة لإصلاحها. أكثرنا يعرف عيوبه ويعرف ذنوبه ولكن لا إرادة له ولا قدرة على إصلاح نفسه وعلى العزم أن يبدأ في تغيير نفسه.

الذكر يقوي فيك الإرادة والعزم على الاستمرار، قرار عظيم يغير الحياة برمتها فالله يقول في الحديث القدسي: «أنا جليس من ذكرني…»([1])،  من جالس الله بقلبه وحواسه يفيض الله عليه من السعادات والخيرات لا يعرفها إلا من ذاقها، وبذلك تقوى شخصيتك ويمنحك الله إرادة تغيرين فيها مجمل حياتك فلا يكون أمامك حواجز ولا صعوبات. في صحة الجسد كلنا يعرف الغذاء والدواء ولكن الأهم صحة القلب وصلاحه فيعرف المؤمن ربه وصفاته فيكون مؤثراً لمرضاته متجنباً لنواهيه وسخطه، الذكر يعطيك القوة لتنتصري على نفسك وتتركي شهواتك والقلب هو حقيقة الإنسان وهو المدرك والعارف والمخاطب من الله لا يمكن أن يطمئن القلب ويكون لك السلام الداخلي إلا بكثرة ذكر الله ألم يقل الله تعالى: ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَتَطۡمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكۡرِ ٱللَّهِۗ أَلَا بِذِكۡرِ ٱللَّهِ تَطۡمَئِنُّ ٱلۡقُلُوبُ([2]).

كان شيخنا أثناء حديثه يشع نوراً وطمأنينة وسعادةً وغمرتنا سعادة حقيقية لا يدركها إلا من ذاقها.

اغرورقت عينا الأخت مها بالدموع وخرجت تبكي سعادة وتضرعاً وتقول: حقاً أنا قوية وسأفعل المستحيل ليكون الذكر الكثير قرار حياتي ونبع قوتي.

 وهذا ما حققته بعد سفرها إلى كندا فحفظت كتاب الله وعلمته وبدأت بالدعوة إلى الله.


([1]) رواه الديلمي عن عائشة، والبيهقي في الشعب عن أبي بن كعب، ورواه الحاكم وصححه.

([2]) سورة الرعد، الآية: (28).

جئت لأسمعك

جئت لأسمعك

جئت لأسمعك

الشيخ أحمد كفتارو - أوموتو الياباندخل شيخنا الصالون ووقف السفير الياباني ومرافقوه وحيوه بكل احترام وتقدير رحب بهم شيخنا:

أهلاً وسهلاً أهلاً وسهلاً في بيتكم الثاني انحنى السفير ومرافقوه وقال السفير:

جئتك لأسمعك، رد شيخنا بتواضع:

أهلاً أهلاً الناس كلهم أبناء آدم وحواء أرسل الله الأنبياء المعلمين حتى لا يكون هناك جهلاء وحتى يكون الإنسان الجسدي إنساناً إنسانياً فاضلاً، من أدرك الأنبياء أو تلامذتهم وتعلم منهم صار إنساناً كاملاً ومواطناً أرقى في عالم السماء طبعاً كلهم سواء المرأة والرجل.

الإنسان لا تتحقق مصلحته إلا بعلمه وعقله وإيمانه فلا يضر نفسه كما لا يؤذي غيره، جاء الدين لتحويل العقل البذرة إلى شجرة وارفة، فجعل العالم مسؤول عن الأمي ليعلمه والغني مسؤول عن الفقير ليساعده والقوي مسؤول عن الضعيف لينصره على الظالم، بنى الإيمان أعظم دولة بنى دولة الضمير والوجدان والرحمة والحب ولكن مرور الزمن يغير طبائع الأشياء، صار الإنسان قوياً فصنع السلاح الذي يقتل ويهدم الإنسان الضعيف، فالمؤمن بالله يتمتع بالتوازن الجميل في تقدمه والنبي الكريم يقول: « الإنسان أخو الإنسان أحب أم كره»([1]) وقوله: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه»([2]).

 جاء الدين لتحويل العقل البذرة إلى شجرة وارفة

بنى الإيمان أعظم دولة بنى دولة الضمير والوجدان والرحمة والحب

قال السفير الياباني سيدي سمعت عنكم الكثير وقرأت كتابكم (طريق الحق) وجئت لأعرف بعض خصائص الإسلام، حقاً كما قلت إن الله يريدنا روحاً راقية وينهانا أن نكون حيوانيين في جسدنا وشهواتنا.

قال شيخنا: للأسف العلماء الماديون بتفوقهم بعلومهم صنعوا ما يهلك الإنسان كل الإنسان وفي كل العالم وبكل الأسلحة المتطورة، لذلك يجب علينا أن نعمل أسلحة مقابلة لتحقيق السلام وليس مثل الإيمان ينهض بهذه الروح.

خريف 1997

([1]) إشارة إلى قوله r: «المسلم أخو المسلم…» متفق عليه.

([2]) متفق عليه، عن أنس.

يريدون السلام بالأقوال وليس بالأعمال

يريدون السلام بالأقوال وليس بالأعمال

يريدون السلام بالأقوال وليس بالأعمال

وفد من الصحفيين الأجانب 1994

جلسنا بعد أن تمشينا في ظل شجرة المشمش، الطقس لطيف جداً فرش الشباب السجاد وأحضروا الطاولات والماء وأعدّوا المكان لاستقبال الضيوف من الصحفيين الأجانب، حضر الجميع وجلسوا مسرورين وهم يتفحصون الشيخ والمزرعة بإعجاب، رحب بهم شيخنا كثيراً ثم انبرى قائلاً:

الإنسان يعرف الإنسان بالتعامل والتقارب وشتان بين من يعرف الآخر سماعاً وبين من يعرفه تواصلاً وقرباً، فالمعرفة عن بعد لا تظهر الحقيقة. وأرجو أن يكون لقاؤنا وتواصلنا لنتعرف على بعضنا عن قرب. رفع أحد الصحفيين يده قائلاً:

حسب ما ترويه بعض الأخبار ووسائل الإعلام في الغرب أن هناك فئة من المسلمين يريدون أن ينشؤوا ويقيموا دولة إسلامية بالقوة والقتال والعنف، هل يمكن أن يكون هذا هو الطريق لإقامة الإسلام من طرف وإلا إذا لم يكن ذلك فسيكون هناك حكم علماني وهم يرفضونه فما هو موقف الإسلام؟

قفزت القطة إلى حضن شيخنا فمسح عليها مرحباً ثم قال مبتسماً:

كل عمل في الإسلام سواء كان عملاً ضخماً أو عملاً بسيطاً يجب أن يصل إليه الإنسان بالأسلوب الصحيح الذي يوصل إلى المقصود بأقل الكلف وأقل الوقت وضمن شريعة الله الإسلام ديناً ودولة، ولأن الناس قسمان قسم يصلح بالتربية والإيمان وقسم لا تصلحه إلا بالقوة، فالنبي صلى الله عليه وسلم عندما بنى الإسلام ديناً ودولة كان جل عمله في تحقيق السلام والعدالة وحتى الإخاء لأن عمل الدولة الإسلامية الأصيل التعليم والتربية حتى يكون المسلم سلاماً على نفسه، سلاماً على من حوله، حتى مع عدوه يحاوره بالتي هي أحسن فإذا اعتدى معتد ولم يقبل بما يوصله للسلام لا بد من وجود قوة ترد عدوان المعتدي، فالدولة ليس للتحكم برقاب الناس ولا للتسلط عليهم بل لنشر العدالة بين كل الناس، والناس أحرار فيما يعبدون ولكن لا حرية لهم فيما يضرهم أو يؤذي الآخرين.

فالإسلام منع المسكرات والمخدرات والتدخين بحسب ما حكم العلم الآن لأنها مؤذية لصحة الإنسان في جسمه وأمانه. هذا حكم السماء وحكمة السماء.

قال أحد الضيوف: ما سمعته منكم أثبت لي أن الهدف في الإسلام هو صناعة السلام.

ضحك شيخنا قائلاً: لا ليس صناعة السلام، السلام يحدث من أجل الصلح بين عدوين بهدنة مؤقتة والإسلام جاء للإخاء والحب أتى لتحقيق أخوة الإنسان لأخيه الإنسان، ولتحقيق التزام الإنسان ومسؤوليته تجاه أخيه الإنسان.

كل ذلك تحقق في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين.

وبدأ يتناقص شيئاً فشيئاً لتغلب سيطرة الحاكم وأهواؤه.

رفع أحدهم يده قائلاً: يوجد الآن محادثات السلام على المستوى السياسي، فإذا لم تنجح هذه المحاولات كيف نشيع السلام؟

مسح شيخنا على القطة قائلاً:

كل شيء لا يتحقق إلا بتهيئة الأسباب، وبإزالة الأسباب التي تؤدي إلى الخصام والحرب فما دام هناك معتدٍ ومعتدى عليه فلا يمكن للمعتدى عليه إذا سنحت له أي فرصة إلا أن يدافع عن نفسه ويثأر لها.

السلام يكون بإزالة الاعتداء، إزالة الظلم، إزالة اغتصاب حقوق الآخرين، فكيف نطلب تحقيق السلام من الضعيف هذا سلام غير عادل وغير ناجح.

لو طبقت قرارات مجلس الأمن في فلسطين لما كانت الحروب الأربعة لكننا نظلم المظلوم ونسأله السلام سلام الظالم، سلام الذئب مع الخروف هل هذا سلام؟ أم انحياز إلى الظالم حتى يزداد ظلماً؟ إذا خطف الذئب الخروف ولحقه الراعي بالسلاح أيعطيه السلام مع الخروف؟

يريدون السلام للأقوياء، سلام الغاصبين.

اليهود في إسرائيل قتلوا عشرات ومئات الألوف من العرب، يا ترى هل كان هناك مؤتمر للمظلومين والضعفاء؟

يريدون سلام القوي الجائر مع الضعيف العاجز فهل يدوم هذا السلام وهل تزول أخطار عدم استتباب السلم؟

فالضعيف في أي فرصة ممكنة سيحاول أن يسترد ما سلب منه وتابع شيخنا منفعلاً: لو اعتدى معتدٍ على أمريكا كما اعتدى اليهود على العرب في فلسطين فما يكون موقفها؟

العدل الآن يكال بمكيالين، مجلس الأمن ليس للعدالة، مجلس الأمن لمصلحة الأقوياء وظلم للضعفاء، لذلك السلام بالأقوال وليس بالأعمال.

قال رئيس الوفد: نشكركم كثيراً على لقائكم لنا ونرجو أن تتوجهوا بكلمة للمسيحيين في أمريكا. قال شيخنا رحمه الله:

أناشد إخواننا المسيحيين أن يتعرفوا على الإسلام عن قرب كما يتعرف الجليس إلى جليسه لأن هذا موصل للحقيقة.

ليكن التعرف بالحوار، بالسؤال عن كل ما يجهل عن الإسلام.

مد الإسلام يديه الاثنتين للمسيحيين، وأعلن في القرآن وجوب الإيمان بالمسيح وبرسالته الأصلية، ونحن نقدس المسيح كما نؤمن ونقدس سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ورسالته والمفاهيم الإسلامية المغلوطة التي تصل إليكم مفاهيم خاطئة وغير صحيحة لذلك التلاقي ومعرفة كل ما يمنع التباعد والكراهية الممكن تلافيها هو كله مصلحة لأمريكا والمسلمين والإنسان في كل العالم.

مد الإسلام يديه للمسيحيين، وأعلن في القرآن وجوب الإيمان بالمسيح وبرسالته الأصلية

نظر شيخنا إليهم ملياً ثم قال باسماً:

أتى المسيح لسلام العالم والنبي صلى الله عليه وسلم أتى بنص القرآن رحمة للعالمين، وبأوامر القرآن الواضحة وليس باختيارنا.

إن للمسيح ورسالته منزلة في قلوبنا، فلا بد من التلاقي والحوار الحر وعن قرب لنتعاون ونتحد ونعمل سوية على بناء السلام العادل الإلهي، هذا هو الطريق إلى السلام الحقيقي.

أما السلام عن طريق عصبة الأمم فقد فشل وكانت الحرب الثانية وكثير من الحروب الصغيرة ضمن إطار هيئة الأمم فهل ننتظر لنرى السلام في الحرب العالمية الكبرى التي لن تبقيَ ولن تذر؟ وأنا متيقن أنه لو صار ذلك الحوار عن طريق رجاله المخلصين وأعطي حقه من الإعلام الصادق سنعرف السلام في الأرض وفي السماء ولو هيئت مؤتمرات رسمية بحوارات حقيقية سيكون لها ثمرة وفائدة كبيرة، فالمسلم ليس عدواً للمسيحي بل هو مناصر وصديق، ولو استعان رجال السياسة بالإيمان الحقيقي لخدموا أوطانهم والعالم كله، وهذا ما تدعو إليه كل الأديان.

وقف الجميع وسلموا على شيخنا، وأخذوا صورة تذكارية وهم يلهجون ثناءً عليه وعلى أفكار صححت نظرتهم إلى الإسلام والمسلمين.

إذا تعب الجسد تعجز الروح

الشيخ أحمد كفتارو
اذا تعب الجسد تعجز الروح

إذا تعب الجسد تعجز الروح

الشيخ أحمد كفتاروكان شيخنا رحمه الله حنوناً لطيفاً حتى ولو كان مريضاً فهو نادراً ما يغضب مع شدَّة تعبه وألمه.

كان دائماً يخشى أن يزعج الآخرين، بل ويحرص على راحتهم، ويعمل لإسعادهم ولو كان ذلك على حساب صحته وتعب قلبه.

وقد تجلَّى لطفه في سائر أحواله الخاصَّة والعامَّة وداخل منزله وخارجه…

وكثيراً ما كان يروقُ لي بعد الغداء أن أستريح بجانبه حتى أنام وأنا مطمئنةً عليه، فيقول لي: (بابا خذي راحتك واذهبي وارتاحي في غرفة أخرى حتى لا أوقظك بحركتي).

فأقول راجيةً: هكذا أطمئن عليك أكثر وأكونُ في خدمتك إذا احتجتَ شيئاً، أرجوك أبقني بجانبك.

فيردِّد: (الله يرضى عليك وعلى والديك).

وحدث أن رقدتُ مرةً بجانبه بعد الغداء، وكعادته كان شديد الانتباه أن لا يتحرَّك حتى لا يوقظني، وإذا بي أنتبهُ من غفلتي وهو يُشيرُ للأخت “مها الزين” أن أخفضي صوتك.

نظرتُ إليه بحنان واغرورقت عيناي، حيثُ كانت تلك الأختُ تبحثُ عني في كل غُرف البيت، وعندما لم تجدني تردَّدت مرَّتين على غُرفتنا التي كان بابُها مفتوحاً ولم ترني بجانبه.

فسألها مُستفهماً بيده دون أن يتكلم: (ماذا تريدين؟).

فأجابت بِحِيرة: سيدنا لم أجدْ الحجَّة!.. لا أدري أين ذهبت!..

فأشار إليَّ بيده وطلب منها الهدوء حتى لا أستيقظ.

دُهِشتُ من فرطِ رقَّتِهِ ولُطفه، ولَمسْتُهُ بحنان شاكرةً وناجيته: ما أروعك!..

وما أشدَّ حنانك!..، فقال: (الله يرضى عليك، إن شاء الله ارتحت؟).

قلتُ لهُ وأنا أرنو إليه: كم أنا محظوظة بك..! وكم أنت رائع..!.

لثمتُ كتفَهُ ويديهِ وقمتُ إليها: أستفهم ماذا تريد منّي…

فوجدتُها تبكي بحرقةٍ وتقول: كم هُو حنون؟!..

لم أتخيَّل إنساناً بلطفه ومحبَّتِهِ!.. كان يخشى أن يوقظكِ صوتي…!

ظلَّت يومها تبكي كلَّما رأتني، وتردِّد: ما رأيت إنساناً بحنانه…! كم هو رقيق!.. لا أصدِّقُ ما رأيت!.. كم هو لطيف!.. حماهُ الله.. حفظه الله..

حقاً لقد كان شيخنا مثال اللُّطف والرَّحمة في تعامله مع الآخرين، تجلَّت فيه صفاتُ الوارث المحمدي الذي لا يغضب لنفسه.

ولو حدث أن أثارَهُ شيء فكان بعد قليل يقولُ لي معتذراً: (بابا إذا تعب الجسد تعجز الرُّوح عن التحمل، اعذريني بابا لقد أحزنتك وضايقتك).

فتغرورق عيناي بالدموع وأقول: لا تقلْ هذا.. أرجوك لا تعتذرْ.

لم أفهمك تماماً..، أنا من أخطأ ولستَ أنت.

رحمهُ اللهُ وتغمَّده بفسيح جناته وجعلنا على منهجه وهديه وجمعنا به ثانية.

اللهمَّ آمين…

        صيف 2002

 

من يعش يرَ إشراقة الإسلام

الشيخ أحمد كفتارو

من يعش يرَ إشراقة الإسلام

الشيخ أحمد كفتارولقاءَ اليابانيين المسلمين 2/3/2002م

دخل شيخنا الصالون ووقف الضيوف اليابان والإخوان مرحبين به تحيةً وحباً.

نظر إليهم شيخنا بحب وإكبار وحنان قائلاً:  السلام عليكم ورحمة الله وبركاته رد الجميع التحية تابع شيخنا:

أهلاً أهلاً وسهلاً أرجو أن تكونوا مرتاحين في المجمع، قال أحدهم: هنا في بلادكم شي سماوي نوراني لا ندري كنهه.

ابتسم شيخنا قائلاً: الإسلام هو دين الحياة إلى الأفضل دين العقل إلى الأكمل، ودين الروح إلى الأرقى.

 

الإسلام هو دين الحياة إلى الأفضل دين العقل إلى الأكمل، ودين الروح إلى الأرقى.

دين اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد، دين ليس مني إلا عالم أو متعلم.

 

العلم الذي أمرنا به الله ليس فقط الصلاة والصوم والعبادات بل علم الحياة وكل ما يتعلق بسعادة الإنسان.

المسلمون في الأعصر السابقة قصرت أفهامهم في فهم حقيقة العلم، الواجب كان كبيراً فصغروه، وكان من الصعب الخروج عن التقليد فتأخر المسلمون، أما الآن حرية المعتقد والاتصالات أفسحت المجال.

 

فكما أن الصلاة فريضة كذلك تعلم الصناعة فريضة وصوم رمضان فريضة كذلك صناعة الطائرات والسيارات والآلات فريضة.

كما أن الصلاة فريضة كذلك تعلم الصناعة فريضة وصناعة الطائرات والسيارات فريضة

علماء الدين المتأخرون يتحملون المسؤولية وما أقوله لكم الآن وما تسمعونه كان صعباً قبل خمسين سنة، كانوا جامدين ولا حرية في الرأي والآن المثقفون حقيقة يتقبلون الإسلام أكثر إذا وجد من يحسن ترجمة الإسلام فخير كتاب يعرف بالإسلام هو أعمال المسلم وأخلاقه وسلوكه مع الناس، لا يكذب ولا يخلف الوعد وحسن المعاملة لأن الإسلام مطبوع على حب كل جميل وهكذا وصل الإسلام إلى مشارق الأرض ومغاربها، ولما قصر المسلمون صار الإسلام مشوهاً من قبل المسلمين أنفسهم، الإسلام دين السلام والتعاون والإخاء والحب وكله لمصلحة هذا العالم وسعادته لذا أرجو أن يكون كل واحد منكم يمثل هذا الإسلام والنبي صلى الله عليه وسلم يبشر بهذا المعنى «خير هذه الأمة أولها وآخرها؛ أولها فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وآخرها فيهم عيسى ابن مريم وبين ذلك ثبج أعوج ليس منك ولست منهم»([1]) أظهروا جوهركم الداخلي الإيماني في بلادكم لينتشر الإيمان فيها.

قال أحد اليابانيين: سيدي هناك خلافات بين الجماعات الدينية وحتى الجماعة الواحدة. فما العمل؟ قال شيخنا باسماً:

نبذل الجهد بحدود الطاقة لنتقارب، نجتمع في الأساسيات ولا نتنازع في الأمور الجزئية، وكل يعمل على قدر فهمه وإدراكه وطاقته، الطباع تختلف، والجنين حتى يكتمل في بطن أمه يبقى تسعة أشهر، وبمقدار ما نعي ونفهم الإسلام بقدر ما يمكننا توسيع دائرته.

نبذل الجهد بحدود الطاقة لنتقارب، نجتمع في الأساسيات ولا نتنازع في الأمور الجزئية

ومن يعش يرَ إشراقته وعودته بإذن الله.

([1]) حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، الجزء السادس ص123.

العاقل يستمع لما يقول أعداؤه

الشيخ أحمد كفتارو
العاقل يستمع لما يقول أعداؤه

العاقل يستمع لما يقول أعداؤه

الشيخ أحمد كفتاروأتَيْتُهُ مرَّةً حزينة وقلت له: إن هناك من يتكلَّم عليَّ بكذا وكذا من السُّوء.

فقال باسماً وهو يربِّت على كتفي:

(كم ندفع لنشتري صابوناً لنغسل ثيابنا؟

بابا كلام الناس صابون يغسل صحائفنا من الذنوب وبلا ثمن.

دعيهم يتكلمون ما يشاؤون، المهمّ إذا كان فينا هذا النقص أن نعالجه، وإذا لم يكن فينا أن نحذر من أن نقع فيه.

العاقل يستمع لما يقوله أعداؤه حتى يقوِّمَ مسيرَتَهُ إن كان فيه هذا العيب).