الإسلام يمنع فرض العقيدة على أي إنسان فالإنسان حر فيما يعتقد
لا يوجد في الإسلام تنافر وتناقض بين العلم وبين الدين
نحن بشر ولكن لِنَكُن أوَّابين لأوامر الله
نحن بشر ولكن لِنَكُن أوَّابين لأوامر الله
دُعينا إلى مؤتمر في بيروت… لازَم الأرقُ سماحَةَ الشَّيخ في تلك الليلة التي سيلبِّي صباحَها الدعوة، وكان –رحمه الله- مِمَّن يبذل جهده في وضع النقاط ورؤوس الأقلام للمحاضرة التي سيلقيها، حيث قام عدة مرات ليُضيف فكرة أو عبارةً حتى اقترب الفجر.
قمنا وصلينا صلاة التهجّد ومن ثم الفجر ثم طلب الفطور علَّه يستطيع النوم بعدها -سبحان الله إذا أهمَّه أمر المسلمين لم يعد يلتفت لشيء آخر-.
كنتُ أحاولُ إضافةَ بعضَ اللقيمات خفيةً إلى صحنه حتى يأكل جيداً، كان يراقب ويسمع التلفاز وهو يُبدي قلقه للتطورات السيئة في أفغانستان فخاطبني حزيناً: (انظري عمامته على رأسِهِ ولحيته إلى خصره ويحمل سلاحاً تجاه أخيه المسلم!. سبحان الله!. أين الإسلام؟!.. ورسولنا الكريم يقول: «القاتل والمقتول في النار»([1]).
وتساءل أسِفاً: (هل هؤلاء مسلمون حقيقيون؟!.. أين عقولهم؟!
أين إيمانهم؟!.. أي مستقبل يخطط لهم المستعمرون؟!.. وضعوا السلاح في أيديهم وملؤوا قلوبهم بالعداوات والتعصّب الأعمى!.. مساكين!.. مساكين!.. يذبحون أنفسهم بلا طائل!.. مَنْ الرَّابح في هذه المعركة؟. هل هذا جهاد؟!. الجهاد الأكبر في التغلُّب على الهوى وحُبِّ الزعامة والأنا.
“أنا خير منه”، هذا مبدأ إبليس، الله تعالى يقول: { مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ }([2]).
كلُّ مبدأ مثالي هو في صميم الإسلام.
يا بنتي؛ الإسلامُ يحملُ في صميمه كلَّ المبادئ الخيّرة للجميع، لكن هُناك من يعمل للشيطان.. ويُحارب للشيطان.. وهناك مَنْ رضي الله عنه.
الإسلامُ يحملُ في صميمه كلَّ المبادئ الخيّرة للجميعه
صِرنا أعداء بعضنا!.. أعداء الإسلام!…
القرآن كله جهادٌ مع الأنا والنفس، وضدَّ الجهل والحرب والعداوات.. القرآنُ هو الدُّستور الفكريُّ الحياتيُّ الإيمانيُّ الذي يُوصِلُ إلى الصِّراط المستقيم؛ إلى السعادة والسلام لكل العالمين.
مُشكلتنا الأولى أننا لا نعرف الله، ولا نعرف أوامره ولا نطبق بجهلنا فقه القرآن الفقه العملي، صرنا أنفالاً لأعداء الإسلام وغنائم سهلة لهم).
وقال محتداً: (كلمة “بركة” خربَتْ بيت المسلمين.. القرآن صار للغناء والطرب والبركة!.. أين التدبُّر؟!..
البركة في فهمه والعمل به، والله تعالى يقول:
{ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا }([3]).
القرآن صار للغناء والطرب والبركة!.. أين التدبُّر؟!
{ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ } ([4]).
هل تلا هؤلاء القرآن حق تلاوته؟!.. هل فهموا ما يريدهُ اللهُ فعملوا به؟!.. لا حول ولا قوة إلا بالله العليِّ العظيم).
ثم قال لي بعد الفطور مشفقاً: (لقد أسهرتك معي طويلاً وسنسافر بالسيَّارة، ولربَّما تتعبين، تعالي ونامي حتى ترتاحي).
قلتُ له سأحاولُ ولكن بعد أن أُنهي عملي في ترتيب أمور السفر.
استيقظَ بعد ساعتين فقط، وكنت لتوِّي أنهيت الترتيبات فقال معاتباً: (لم تنامي؟! أتعبتُك في الليل).
قلتُ باسمةً: المهمُّ أنك نمتَ قليلاً، أرجو أن تكون مرتاحاً.
ركبنا في السيَّارة ولم تمضِ دقائق حتى وجدتُ نفسي أتمايل من النُّعاس، فاقترب مني وقال مشيراً إلى كتفه: (ارتاحي.. ضعي رأسك).
نظرتُ إليه شاكرةً وقلتُ: لا أرجوك… أخشى أن أتعبك.
قال: (لا أنا مرتاح). وما هي إلا لحظات حتى لفَّني نومٌ عميق.
انتبهتُ من غفوتي على صوت السائق “أبو الخير السعدي” يهمس: يا حجّة.. يا حجّة.. قاربنا الوصولَ إلى الحدود.
فتحتُ عيناي بصعوبة، لم أدرِ أين أنا، وأحسست بأنامل شيخنا تمسُّ ظهر يدي بلطفٍ زائد معبِّراً عن أسفه لإيقاظي: (عفواً هاتِ اللفة بابا).
وضعَ اللفة على رأسه وما كان من الضُّباط إلا إلقاء التحيّة عليه وطلب الدعاء لهم، وبعد أن تجاوزناهم بقليل عرضَ عليَّ متابعة النَّوم.
فقلت ضاحكةً: لا.. الحمد لله.. نمتُ جيداً واستعدتُ نشاطي، ثم أمسكَ كتابه وبدأ يقرأ لي بعض مقتطفات من سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعاملته لأزواجه.
وكعادته -رحمه الله- لا يترك القراءة أبداً، حتى في السيارة، فكتابه لا يفارقه أبداً.
كانت ينتقي لي الكثير من اللطائف النبوية التي تنطبق على حياتنا الآن وعلى واقعنا الإسلامي… حتى لا أستنكر أو أُدهش مما يقع معي ويتكرر دائماً.
تابع بحنان: (نحن بشر، ولن يتغير البشر كثيراً، انظري إلى الصحابة الكرام، فالرسول صلى الله عليه وسلم بينهم والوحي ينْزل عليه، ومع ذلك لا بُدَّ من الاختلاف والتباين في الآراء والأعمال، وقد يكون هناك بعض التنازع والشِّجار، المهم أن نكون مثلهم: أوَّابين لأوامر الله، محكمين كتابَهُ، تجاه العدوّ جسداً واحداً، وقوَّة رادعة للظلم، نبلِّغ رسالة الإسلام إلى مشارق الأرض ومغاربها.
عندها نكون مُسلمين حقيقيين فيستجيب لنا دعاءنا وينصرنا.
نرجو من الله أن نكون جميعاً كما أراد لنا).
([1]) رواه البخاري ومسلم والنسائي وأبو داود وابن ماجة وأحمد.
الإسلام آخى بين الدين و العقل
الإسلام آخى بين الدين و العقل
لقاء مع صحفي أمريكي 12/3/1996م
وصل الصحفي الأمريكي الضيف المزرعة، واستقبله شيخنا بحفاوته المعتادة.
قال الصحفي: لقد تشرفت كثيراً بسماحكم لي بهذا اللقاء.
رحب به شيخنا ثانية قائلاً: وأنا مسرور أكثر بهذا اللقاء عسى الله أن يجعله خيراً للإنسان في أمريكا، وفي العالم كله، إن ما يحيط بالعالم الآن من أخطار الأسلحة الحديثة من الأقوياء وتسابقهم على المكاسب المادية. كل ذلك يولد خطراً عظيماً فلو صارت حرب مع وجود كل هذه الأسلحة ستكون النتائج معروفة، والقانون الإلهي وحده قادر على منع هذا المصير، وهذا الشقاء لكل البشرية، ولا بد من التعريف بالإسلام وأنه ليس عدواً للإنسان ولا لشرائع السماء الأولى بل أتى لينعش شرائع السماء ويرفع عنها كل ما شوه جمالها ويعيدها إلى أصلها الأول، وقد جمع الله سبحانه كل تلك الشرائع في القرآن الكريم.
الأديان كلها تحتاج إلى إعادة نظر لإعادتها إلى شبابها وأصالتها وجمالها، فكل مالا يتفق مع مصلحة الإنسان الحقيقية وسعادته لا يدخل في إطار الدين مطلقاً لأنه أُدخل من قبل رجال الأديان ومصالحهم، وبتجاربي الشخصية ما رأيت إنساناً من اليابان إلى أمريكا كان سلبياً تجاه الإيمان الحقيقي.
قال الصحفي: طبعاً إلا أن هناك الكثير من الآراء المشوهة عن الإسلام في أمريكا فالكثيرون يظنون أن الإسلام لا يتسامح أبداً مع من لا يؤمنون بالله فما هي الحدود المرسومة الإسلامية فيما يتعلق مع غير المؤمنين من أتباع الديانات الأخرى؟
اعتدل شيخنا في جلسته وقال مبتسماً:
القاعدة العامة في الإسلام حرية المعتقد، كل إنسان حر فيما يعتقد، لذلك لما حرر الإسلام الشرق الأوسط من الاستعمار الروماني أبقى للنصارى كنائسهم وحرية عبادتهم مع أن الحكومة الرومانية كانت باغية على كل الطوائف المسيحية الأخرى فصادرت كل أوقافها لمصلحة الكنيسة الأرثوذوكسية وجاء الإسلام فأعاد للكنائس المضطهدة كل حقوقها المسلوبة وإذا تأملنا في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم مواقف منها وفد النصارى من نجران حاورهم رسولنا الكريم بما قاله تعالى في حقهم واستقبلهم في مسجده وقال: إن المسيح نبي وليس كما تعتقد الكنيسة وتلا عليهم القرآن { إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ }([1]).
كان الحوار معهم بكامل الحرية ولكنهم لم يتقبلوه وهذا شأنهم مع أن القوة كانت كلها بيده، ولكن حرية المعتقد في القرآن لا يخالفها أحد { لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ }([2]).
كان الصحفي يسمع ويسجل كل كلمة ثم قال لشيخنا رحمه الله: الآن بالنسبة للتسامح كيف يطبق اليوم؟
رد شيخنا مبتسماً: يوجد عقائد مختلفة في كل بلد إسلامي وكل منهم يعبد ربه على حسب عقيدته، في إيران يوجد كنائس للنصارى واليهود، وفي باكستان والإمارات وفي كل البلاد العربية.
تساءل الصحفي قائلاً: في الوقت الحاضر كما تعلمون يوجد الكثير من الصراعات والاضطرابات فهل تعتقدون أنه يوجد حل بالنسبة للسلام العالمي؟
شبك شيخنا رحمه الله أصابعه وقال بهدوء:
في القرآن الكريم القانون الإلهي أنزل الله حلاً لكل مشاكل الإنسان، الحل الإلهي لا ظالم ولا مظلوم، لا جائع ولا متخوم، لا عالم ولا جاهل بلا تعليم، الجار مسؤول عن جاره، والغني مسؤول عن الفقير، والحاكم مسؤول عن الرعية أمام الله، هكذا كان الإسلام.
كانت محاكم التفتيش في الغرب تحكم بالإعدام والقتل باسم المسيحية وباسم الدين لذلكَ بَعُدَ إنسان الغرب عن الدين، وإن كان بنظري لم يبعد ولكن كان ينقصه من يعرفه بحقيقة الدين.
الدين هو مجموع الفضائل التي جاءت بها كل رسالات السماء مما يحقق مصلحة الإنسان وسعادته، حرم الإسلام المخدرات والمسكرات والزنا والآن العلم والطب والصحة تحرم هذه الأشياء، الآن فهم الجميع سر التحريم الديني، والمؤمن آمن بكل هذه الأمور قبل أربعة عشر قرناً لذلك كان عصر الصحابة عصر الفضائل والأخلاق.
فالإسلام آخى بين الدين والعقل، حتى جعل التفكر في الكون وقوانين الحياة الطبيعية طاعات مقربة إلى الله وهذا أعطى للإسلام ميزة عن غيره من الأديان.
دارهم مادمت في دارهم
دارهم مادمت في دارهم
كان عندنا قطة جميلة شعرها ناعم وطويل، وكانت عندما ترى شيخنا تلاحقه وتسير معه، وإذا جلس تجلس بجانبه، وإذا غادرته أنا لأحضر كتاباً أو شيئاً انتهزت فرصة عدم وجودي لتقفز إلى حضنه ويحادثها شيخنا ويمسح على ظهرها فتنام في حضنه وكأنها فرصتها لترتاح.
عندما أعود وأراها قد استسلمت للنوم أحس بضيق منها فأناديها وأؤنبها: اذهبي اذهبي يا غليظة، فتقفز بعيداً، فينظر لي شيخنا بعتاب ويقول: (أحسست بتنميل في رجلي ومع ذلك لم أحركها حتى لا أزعجها في نومها، وجئت أنت بقسوة فأيقظتها!).
فأقول متضايقة: إن القنباز يتسخ من شعرها.
فيقول ضاحكاً:
(سبحان الله، سبحان الله، صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ الرِّفْقَ لا يَكونُ فِي شَيْءٍ إِلاَّ زَانَهُ»([1])).
بعد ذلك صارت القطة تهرب بعيداً كلما رأتني فيقول لي شيخنا: (انظري إنها تترك لك المكان، سبحان الله أحسَّت بعدم رغبتك بها، “ودارهم ما دمت في دارهم”).
حتى الكلب الذي في المزرعة كان يلازمنا عندما نسير، وكان شيخنا يحنو عليه ويداعبه ويسلم عليه ويطعمه بيده ويوصي به إذا سافر.
كنت أخاف منه كثيراً ولكن شيخنا حاول أن يكسر خوفي، ويجعلني ودودة له حتى ألفني وصار يلازمني عندما أمشي وحدي وكأنه يحرسني من الآخرين.
من أمة قومية إلى أمة عالمية
من أمة قومية إلى أمة عالمية
لقاء أستاذ الجامعة محمد أسعد وزملائه الأمريكان
صيف 1995
جلسنا ننتظر أستاذ جامعة من أمريكا وزميله ومجموعة من الشباب أمسك شيخنا بكتابه كعادته بعد أن صلينا الضحى ونظر إليّ مسروراً وأنا أحضر دفتري والأقلام وآلة التسجيل استعداداً لاستقبال الضيوف قال شيخنا رحمه الله ضاحكاً:
العلم صيد والكتابة قيده قيد صيودك بالحبال الواثقة
أحسنتِ أنت عزائي كنت أرجو امرأة مثقفة تهتم بالفكر الإسلامي وتنقله للآخرين فالحمد لله.
جاء الضيوف ونزلنا إلى الحديقة لاستقبالهم والجو ربيعي معتدل رحب بهم شيخنا باشاً مبتسماً ثم قال:
العرب زمن النبي صلى الله عليه وسلم أبناء الصحراء لم يقرؤوا كتاباً ولم يكن لهم جامعات انقلبوا بشكل مفاجئ إلى فلاسفة العرب، إلى أخلاق الملائكة، إلى أعظم رجال في السياسة والحروب، بنوا الدولة الإسلامية، ثم أقاموا الدولة العالمية ومن أمة قومية إلى أمة عالمية.
قومية الأمة هي وحدة اللغة والأرض، هذه الأرض لا ترفع شأن الإنسان، كذلك وحدة اللغة موجودة بالحيوانات لغتهم واحدة وأرضهم واحدة لا توجد قومية أشرف من قومية، لكن الذي يشرف الإنسان علوم النبوة القائمة على العلم وهو كل ما ينفعك وينفع الناس لتعمل به، ومعرفة كل ما يضرك ويضر الناس لتتجنبه، وهذا أول جوهر في القومية السماوية، ثم هي الحكمة التي هي الصواب في القول والعمل. والثالث تزكية النفس ونقلها من رذائلها ونقائصها إلى فضائلها وكمالاتها.
فالإسلام نقل الإنسان من قومية الأرض واللغة الموجودة حتى بالحيوانات إلى قومية العلم والحكمة والتزكية فهذه قومية الإيمان.
الإسلام نقل الإنسان من قومية الأرض واللغة إلى قومية العلم والحكمة والتزكية
وهذا خاص بالإنسان الروحاني المؤمن والذي طريقه الصراط المستقيم سبيل الله؛ طريق الله؛ صراط الله.
والجهاد في سبيل الله أن نبذل كل ما نملك من طاقة لتوصيل العلم والحكمة والتزكية إلى كل الناس وأن تبذل مالك وجسدك وروحك في هذا الجهاد المقدس، وهو مقدس لأنه لا غرض المصلحة والمنفعة إلا هدف النهوض بالإنسانية إلى المستوى الملائكي لذلك المسلمون الأول لما جاهدوا في كل البلاد والشعوب فتحوها ليس استعماراً وتسلطاً على خيراتها بل ليعلموهم العلم والحكمة والتزكية وليكونوا متساوين بالنهاية.
فالإسلام لم يفضل بين إنسان وإنسان باللون وباللغة أو بالأرض، بل يفاضل بين البشر بالعلم والحكمة والتزكية وهو ما يسمى بالتقوى يقول الله عز وجل:{ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ }([1]) وهذا أغلى أنواع التعليم والثقافة.
العلوم الآن تهدف للوصول إلى المال والقوة ليتسلط القوي على الضعيف وهذا انحدار للإنسانية وهلاك.
أما ثقافة السماء فتأمرك بامتلاك القوة والمال لا لتطغى بها على الضعفاء أو لتمنع معونتك عن الضعفاء بل لتخدم الضعفاء وتعلمهم إن كانوا جاهلين وتغنيهم إن كانوا فقراء، وتعالجهم إن كانوا مرضى وإن كانوا أعداءً لتصلح بينهم هذا هو الإسلام.
فلينظر أحدكم من يخالل
فلينظر أحدكم من يخالل
الصحبة نقلة نوعية في شخصية الإنسان، إما جنة وإما نار، شاء أم أبى
هذا الرجل تركه أصدقاؤه دون أي معونة أو وفاء بعد إفلاسه!). ثم تابع بهدوء وحزن: (لقد جاء إلي عدة مرات وأشفقت عليه وساعدته، ولكن عندما تكرر طلبه رفضت إعطاءه أي مبلغ، وأرسلت السائق ليوصله مرة إلى داره بغرض التعرف على أهله، فوجدهم في بيت فقير جداً، وأخبرت زوجَتُهُ السائقَ بأنه باع كل شيء حتى أغراض البيت. فصرت أرسل لها مؤونة، ولكن زوجته طلبت عدم الإكثار لأنه كان يبيع حتى المؤونة ليلعب بالقمار ويشرب مخدرات، ولا بأس عنده أن يبقى أولاده بدون طعام أو لباس، وقالت إنها تخفي عنه ما كنا نرسله لها. إن حالتهم صعبة جداً، حتى أهلها رفضوا استقبالها مع الأولاد لذلك فضلت البقاء في هذا البؤس لعل الله يفرج عنها يوماً، بل صارت تعمل حتى تساعد أولادها وتعلمهم وتعيلهم). حزنت كثيراً وأيقنت بأن شيخنا أعطاني درساً لن أنساه وفكرت ماذا فعل هذا بنفسه؟ وكيف اختار هذا الطريق؟ لقد قتل نفسه وقتل شخصيته حتى أولاده لم يبال بهم!… وصدق الله العظيم: { وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} ([2]) فعلاً كما قال شيخنا: (لقد باع عقله للشيطان). تابع شيخنا: (الموفق يا بنتي من يسارع إلى تصحيح خطئه قبل فوات الأوان وقبل أن يغرق فلا يستطيع أن ينقذ نفسه.الموفق من يسارع إلى تصحيح خطئه قبل فوات الأوان
الموفق من يبحث عن مربٍّ يعلمه ويزكيه، فيرى الحق حقاً ويتوجه إليه، ويرى الباطل باطلاً ويجتنبه. الله يوفقنا…الموفق من يبحث عن مربٍّ يعلمه ويزكيه، فيرى الحق حقاً ويتوجه إليه
الله أنار لنا الطريق وعبّده لنا، ومن ثم أعطانا العقل لنتجه إلى صراطه المستقيم والذي يأبى هو الخاسر الأول، كما قال رسول الله r: «كلكم يدخل الجنة إلا من أبى، قالوا: ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى»([3]). يا بنتي دائماً نتهم القدر بأنه السبب، اختيارنا هو قدرنا.نحن دائماً نتهم القدر بأنه السبب، ولكن اختيارنا هو قدرنا
ألهمنا الله الخير دائماً وصحَّحَ خطواتنا). قلت: آمين آمين. صيف 1993 ([1]) سنن الترمذي، عن أبي هريرة رضي الله عنه. ([2]) سورة النساء، الآية: (5). ([3]) صحيح البخاري، عن أبي هريرة رضي الله عنه.وسيكون السلام رغم أنف السلاح و الاستعمار
وسيكون السلام رغم أنف السلاح و الاستعمار
جاءنا الدكتور بيكر وهو رئيس مؤسسة مسلمون ومسيحيون في خندق واحد وقد أخذه هذه الكلمة من شيخنا عندما التقاه أول مرة، فرد عن شيخنا قائلاً نحن في خندق واحد لصنع السلام رحب به شيخنا وهو يشد على يده قائلاً: أهلاً برفيق المعركة وتابع:
نحن الآن في زمن التعطش نحو فهم الحقيقة، ينفق على تخريب العالم وقتل الإنسان آلاف المليارات ولو تعمل ميزانية نقطة من هذا البحر لتحقق السلام الحقيقي الذي تستقر به القلوب وتنهض به العقول فتعود الأنا إلى نحن في رضاء الله نحو وحدة الإيمان لكل البشر وهذا واجب إنساني عالمي سياسي. فلماذا ننفق المليارات لهدم الإنسانية والإنسان؟ إن الإيمان يحقق إخوة الإنسان للإنسان ويحذف الأنانية ويستبدلها بكلمة قالها الأنبياء كلهم: الإنسان أخو الإنسان. وما أسهل زرع هذا الإيمان القلبي في قلوب الناس لأن الإنسان تحرر من آثار التعصب القديم ولكن لم يُقدَّم له تلك الحقيقة الجميلة، قانون المعدة إذا شم الإنسان رائحة الطعام الشهي تتحرك لاستقبال الطعام وكذلك العقل إذا اشتم رائحة الحقيقة لا يستطيع أن يقف ضدها أو لا يقبلها، كل منا عليه مسؤولية أنا وأنت وهو وهذه الحقيقة المقدسة.
قال الدكتور بيكر: إيماني بالله عز وجل قوي ولو أني ما زلت طفلاً في إيماني وأن من قدري أن الله اختار لي وشاء أن أتوجه إلى حقيقة الإيمان كنت أعلّم في جامعات مسيحية وأدرِّس الإنجيل والعهد القديم ولكن لماذا اختارني الله وجذبني من غرفة التدريس إلى غرفة الحياة وأعطاني هذه الرؤيا بين هذين الدينين الكبيرين في العالم.
في الحقيقة إذا كان هناك تفاهم وسلام بيننا فيجب على العالم الباقي أن يتبعنا وأحسَ أن كلماتكم هي أفكاري.
قال شيخنا إذا عبدتم الله واستسلمتم له فأنتم مسلمون فرد بيكر:
ولكن الكثير من المسلمين والمسيحيين في أمريكا لم يسمعوا هذا الإيمان ولم يفهموا تلك الأرضية المشتركة بيننا لذلك تبنيت حمل هذه الرسالة التي قادني الله لها.
قال شيخنا: فلنكن نحن همزة الوصل وبرنامجي أن يكون لدينا مئة طالب من أمريكا لحمل تلك الأفكار وإيصالها لكل فئات الشعب والأهم إيصال هذه الفكرة إلى الحاكم لأن ما يفعله الحاكم في يوم لا يفعله أمثالنا في سنين.
قال الضيف بيكر: هذا رائع وحقيقي.
أجاب شيخنا: ما فعلته فقط هو رفع الغطاء ومهمتنا أن نعمل على الإتصال والإيصال وأنا متيقن بنزول المسيح وروح النزول هو روح مبادئه فإذا حققنا روح تعاليم المسيح وهيأنا حسن استقباله سينزل المسيح ونرجو أن لا نعامله كما عامله اليهود وإلا فلن يكون هناك أهمية لنزوله.
رد بيكر بحماسة: شيء عظيم حدث في قلبي من كلماتكم هذه ونريد أن نجمع الزعماء الصادقين من المسلمين والمسيحيين فلن تمر الألفية الثانية دون أن يكون ذلك فاتحة للألفية الثالثة وعلينا أن ندعوا أفضل زعماء الكنائس لذلك.
قال شيخنا: هذا من الواجبات البديهية علينا خاصة إذا تهيأت الأمور المالية والسياسية مما يمكننا تحقيق السلام رغم أنف صانعي السلاح والاستعمار.
أربعة أمور يربطها رسولنا الكريم لدخول الجنة الإيمان بالله، ومحبة الناس لبعضهم والسلام مع النفس والأهل والآخرين لقول رسولنا الكريم: «والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إن فعلتموه تحاببتم، أفشوا السلام بينكم»([1]).
لا يمكن لأحد أن يغلق باباً فتحه الله لنا.
في خطر الفناء الروحي
في خطر الفناء الروحي
بعد إسلام رؤساء طائفة الأموتو في اليابان بفضل الله ثم عناية شيخنا -رحمه الله- حَرِص على تلبية دعواتهم ومؤتمراتهم.
كان يُستقبل استقبالاً حافلاً وتُحشَدُ له كلُّ الإمكانيات لسماع حديثه عن الإسلام وكان يُرافقه دائماً طبيبُهُ الخاص ومترجمه.
ولكن في هذه المرّة لم يرافقه الطبيب رغم إلحاحي بذلك على مَنْ يُدبِّر أمر سفرنا مُرَدِّدة لشيخنا: “إنَّ أهم ما في الدعوة رجالها”، ورجوتُهُ: أنَّ حياتك وصحتك أغلى ما يجبُ أن نحافظ عليه، وذكَّرته بانفعاله لإسرافنا في نقطة الماء واستهلاك الكهرباء، وأنَّ صحَّته أغلى وأغلى…
فنظر إليَّ بحنان وقال: (علَّمتك على نفسي حتى تُحاجِّينني؟.. الله يرضى عليكِ، أنا والحمد لله بخير، والمهم أن نتواصل مع هذه الطائفة حتى يزداد إيمانها، لعل الله يجعل الخير فيهم في اليابان وغيرها).
وتنهَّد قائلاً: (لا يهمّني سوى الدعوة إلى الله وإعلاء كلمته).
كان السفر إلى اليابان متعباً جداً، لا سيما وأننا توقفنا في دولة الإمارات عدَّة ساعات التقى خلالها شيخنا بإخوانه المقيمين فيها بصالة المطار، وحثَّهم على الإخلاص في خدمة دين الله والانشغال بما يرضيه، وأن يجمعوا شملهم، ولا يتنازعوا فيدَعُوا شمس الإسلام تغيب عنهم ويبقى لهم منه اللقب والميراث…!
ثم انطلقنا إلى مدينة “هونغ كونغ” حيث كان ينبغي علينا المبيت فيها ليلةً والانطلاق صباحاً إلى اليابان.
ولم نكد نرتاح في الفندق، حتى جاء أحد تلامذة شيخنا الصينيين الذين درسوا في مجمع الشيخ أحمد كفتارو وكان يعمل إماماً ومدرساً دينياً في مسجد “هونغ كونغ” فذكر لشيخنا أنه نسق مع الأستاذ “فاروق” لقاءً مع المسلمين والمسلمات في مسجده.
بدت السعادة على وجه شيخنا، فهذا ما يهمه ويريده وما سافر لأجله، ولو كان السفر طويلاً ومتعباً.
نظرتُ إليه متسائلة وبقلق، فردَّد كعادته: (لا راحة لي إلا برضاء الله، إنها الأمانة يا بنتي… يا بنتي الداعي ليس له سن تقاعد إلا بلقاء الله).
وأثناء ذهابنا إلى المسجد، كان الجوُّ حاراً ورطباً.
لم يتوان الكثيرُ من الصينيين بإرسال التحية باحترام وودٍّ رُغْم وجوده في السيارة وكأنَّهم يعرفونه…!
بدأ الجمع بالتوافد، حيث استأذن معظمهم من أعمالهم قبل انتهاء الدوام، ليحضروا محاضرة شيخنا.
دخلوا بهدوء وحبور، وحيّوه من بعيد واحترام، وامتلأ المكان… وجلسوا يذكرون الله بصمت، وكأنَّ على رؤوسهم الطير… خيَّم الهدوء لفترة.
بعد قليل بدأ الشيخ بصوته الرَّخيم، بعد بسم الله الرحمن الرحيم: (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته…).
ردَّدوا بصوت عميق ملأ المكان: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
وأخرج كل فرد منهم دفتره وقلمه، وبدؤوا بكتابة ما ترجمهُ المترجم لهم… قال شيخنا بهدوء: (يقول الله تعالى:
{ وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } ([1]).
ثم أعاد الآية ثانية وتابع: (الغفار هو الله وليس أحد غيره، ومغفرته بشروط حدَّدَها تعالى في آية أخرى: { وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى } ([2])).
كان الجميع يكتبون ويرنون إليه بود، صمَتَ قليلاً ثم قال: (فالإسلام هو انتقال النفس البشرية بالتوبة من الرذائل والنقائص إلى الكمالات، ومن إنسان شرير إلى إنسان الخير والعلم… الإسلام نقلة للفكر الإنساني، والعقل الإنساني من اللاحقيقة والخطأ إلى الحقيقة والصواب.
الإسلام نقلة للفكر الإنساني، والعقل الإنساني من اللاحقيقة والخطأ إلى الحقيقة والصواب
الإسلام هو انتقال النفس البشرية بالتوبة من الرذائل والنقائص إلى الكمالات
الإسلام رفعُ الفوارق اللونية والعرقية والجنسية، فقال تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} ([3]) إنها القيم التي تأخذ بالعقلانية والعلم والحكمة وتزكية النفس، وتحرُّر الإنسان من عبادة الإنسان، ومن الجهل والخرافات والأنانية… تحرره من عبادة جسده وأهوائه إلى عبادة الإله الخالق العادل. فالله تعالى يقول:
{ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }([4]).
ولا تَمَيُّزٌ إلا بطاعة الله العظيم، وبالأخلاق الفاضلة، وجعلنا إخوة فقال رسولنا الكريم r: «الإنسان أخو الإنسان..»([5])… وأكد على وجوب وصول القمة الإنسانية في علاقةِ الإنسان بأخيه الإنسان بقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبُّ لنفسه»([6])).
أعاد الحديث بتؤدة..، مغمضاً عينيه.. رافعاً رأسه، قائلاً: (هذه أعلى المقامات الإيمانية، إيثار الآخرين، ومحبة الخير لهم، ليسود الود والحب والرحمة.
شاعت الآن القيم التي تسيطر عليها الاحتكار، والتعدِّي والإرهاب، ومافيات السلاح والجنس، والحضارة الغربية اليوم تشهد أزمة صعبة، فمع أنها حققت إنجازات هائلة في الجوانب العلمية والمادية فإنها تعاني أزمة خطيرة في الجوانب الفكرية والروحية والاجتماعية).
-ساد صمت قصير تخلله كلمة (الله) تنهَّد بها بعض الحاضرين- (المسلم إنسان اختصه الله برحمته، لأنه أرسل له منهجاً سماوياً يهديه ويسعده، ولكن قد تضعف يوماً ما إرادته فتغلبه نفسه.. ولكن ما إن يستيقظ الإيمان في قلبه حتى يستعيد همته وعافيته وإرادته، فيعود إلى ما يمليه عليه الإيمان فقط، لاغياً من سلوكه كل تقليد للآخرين أو معتقداتهم، فالتقليد إبطالٌ لعمل العقل وتحجيمه.
المسلم إنسان اختصه الله برحمته، لأنه أرسل له منهجاً سماوياً يهديه ويسعده
إن العالم الغربي حصر علومه بما يخص الجسد فقط، وهو الآن في خطر الفناء الروحي وفقدان الإيمان وهذا سيقوده إلى الكارثة لا محالة، لأنه وإن كان تقدم بحضارته وصناعاته فإنه فقد روحه وحقيقته وجهل نفسه وربه.
العالم الغربي حصر علومه بما يخص الجسد فقط، وهو الآن في خطر الفناء الروحي
والإسلام بأصالته حضَّ على العلم بما يتعلق بالجسد والروح على هذا الكوكب، وفي العالم الآخر الذي سننتقل إليه بأرواحنا لا بأجسادنا).
وأقبل عليهم متابعاً: (الخطأ يحصل عندما لا نحيط بكل نواحي هذا الأمر، والمؤمن يسعى دائماً لترقية نفسه وتزكيتها… وهوية المسلم في أعماله وأخلاقه مستمدة من الشريعة السمحاء، وإذا أحسن العمل بها، أحسن البلاغ لها… وعلم بلا عمل حجة الله علينا، فالعلم وحده لا يكفي… فالعلم في الإسلام يهتم بنتائج الأعمال وأهدافها السامية ويرتبط بعقيدة الإنسان بتقديم ما هو نافع للبشرية… فالطبيب يشرب الكحول ويعلم ضرره… وقد يتعرض لأمراض الجنس والإيدز وهو يعلم خطورة ما يُقدم عليه، لأنه مغلوب من نفسه وهواهُ).
علم بلا عمل حجة الله علينا
وتابع: (فالهوى يغلب العلم، ولكن سلطان الإيمان وحده يغلب الهوى ويجعله تبعاً لأوامر الله، كما رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به»([7])).
سلطان الإيمان وحده يغلب الهوى ويجعله تبعاً لأوامر الله
كانت الأنامل تتسابق مع الأقلام لتسطير العبارات… والعيون تلاحق حركة شفاه المترجم كي لا تفوتها الكلمات.
(المحرَّمات كلها مؤذيات للإنسان، لذلك حرَّمها الله علينا حتى لا نؤذي أنفسنا، ولكنَّ الطفل يضع نفسه في الخطر لأنه جاهل.. وكلُّ من يعصي الله يكون جاهلاً، لذلك اعتنى الإسلام كثيراً بمناعة الإنسان النفسية حتى يستطيع مجابهة ومحاربة الشهوات والمثيرات والمحرمات التي تسيء إليه وتؤذيه يقيناً. حتى يُعلن الحرب على كل نقائصه وعيوبه فيقتلعها من جذورها… فالإيمان يوقظ في قلب المؤمن حب الله وتعظيمه وخشيته… والخوف من غضبه، بل المسابقة إلى رضاه.
إن تربية الإيمان هي تربية الإنسان من الداخل، تربية معيَّة الله: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} ([8])).
تربية الإيمان هي تربية الإنسان من الداخل، تربية معيَّة الله
ورفع صوته قائلاً: (فيعلم أن الله رقيبه وناظره ولو غاب الرقيب، ولو غاب الرقيب.
كلُّ إنسان بفطرته يعلمُ الخطأ من الصواب، والحلال من الحرام. فالقطّ إذا سرق قطعة اللحم يهرب بها بعيداً ليأكلها، وإذا قدمتها له يأكلها أمامك وهو يموء لك شاكراً لك، فالحيوان فقيهٌ في الحلال والحرام…!
كلُّ إنسان بفطرته يعلمُ الخطأ من الصواب، والحلال من الحرام
فلا يكون الإنسان أقلَّ منه فقهاً في ذلك، وقد كرَّمه الله بالعقل.!
نظافة العقل وحكمته توصل إلى الحق والحقيقة دون أخطاء.
كان دعاء الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: «اللهمَّ أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه»([9])… هذه الرؤية بغير عين الجسد… بل ببصيرة القلب التي تقويها طاعة الله ورضاؤه.
الإنسان في الإسلام هو أهم مخلوق في هذا الكون، والله سخَّر له السموات والأرض، وجعله خليفة في الأرض ليعمِّر الكون مادِّياً وروحياً، وليقيم حكم الله في الأرض.
والمؤمن الحقيقي صاحب إرادة ووعي، وقادرٌ على النجاح والتميُّز على سائر المخلوقات، ولا يكون ذلك إلا بتدبُّر برنامج السعادة؛ برنامج الكتاب العظيم؛ قرآننا الكريم..
فإذا فهمنا تلك الرسالة الإيمانية، وعملنا بها استطعنا أن نعيش حياة رائعة على هذا الكوكب، وما بعد هذا الكوكب.
فالقرآن يحوي مفردات الحياة السعيدة للفرد والمجتمع والعالم كله.. ورفض الإنسان لتعاليم الله دليل على ضعف عقله وطفولة إدراكه وتغلب شهوته).
القرآن يحوي مفردات الحياة السعيدة للفرد والمجتمع والعالم كله
نظرت إلى الأستاذ فاروق وهمست: “شيخنا متعب أرجوكم” رفعت يدي أرجوه ليرفق بنفسه… فابتسم شيخنا مطمئناً لي.
ثم رفع يداه داعياً فقال:
(أرجو الله أن يجعلكم مؤمنين حقيقيين لتقودوا العالم كله إلى السمو الأخلاقي والروحي والحضاري، من خلال تعاليم الله الخالدة… وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين).
اقترب الجمع منه قليلاً، ثم انحنوا مودِّعين شاكرين.
([1]) سورة الأنعام، الآية: (54).
([3]) سورة الحجرات، الآية: (13).
([4]) سورة النحل، الآية: (90).
([5]) إشارة إلى قوله صلى الله عليه وسلم: «المسلم أخو المسلم…» متفق عليه.
([7]) حديث حسن صحيح أخرجه الحسن بن سفيان وغيره، ورجاله ثقات وصححه النووي في آخر الأربعين.