يريدون السلام بالأقوال وليس بالأعمال
وفد من الصحفيين الأجانب 1994
جلسنا بعد أن تمشينا في ظل شجرة المشمش، الطقس لطيف جداً فرش الشباب السجاد وأحضروا الطاولات والماء وأعدّوا المكان لاستقبال الضيوف من الصحفيين الأجانب، حضر الجميع وجلسوا مسرورين وهم يتفحصون الشيخ والمزرعة بإعجاب، رحب بهم شيخنا كثيراً ثم انبرى قائلاً:
الإنسان يعرف الإنسان بالتعامل والتقارب وشتان بين من يعرف الآخر سماعاً وبين من يعرفه تواصلاً وقرباً، فالمعرفة عن بعد لا تظهر الحقيقة. وأرجو أن يكون لقاؤنا وتواصلنا لنتعرف على بعضنا عن قرب. رفع أحد الصحفيين يده قائلاً:
حسب ما ترويه بعض الأخبار ووسائل الإعلام في الغرب أن هناك فئة من المسلمين يريدون أن ينشؤوا ويقيموا دولة إسلامية بالقوة والقتال والعنف، هل يمكن أن يكون هذا هو الطريق لإقامة الإسلام من طرف وإلا إذا لم يكن ذلك فسيكون هناك حكم علماني وهم يرفضونه فما هو موقف الإسلام؟
قفزت القطة إلى حضن شيخنا فمسح عليها مرحباً ثم قال مبتسماً:
كل عمل في الإسلام سواء كان عملاً ضخماً أو عملاً بسيطاً يجب أن يصل إليه الإنسان بالأسلوب الصحيح الذي يوصل إلى المقصود بأقل الكلف وأقل الوقت وضمن شريعة الله الإسلام ديناً ودولة، ولأن الناس قسمان قسم يصلح بالتربية والإيمان وقسم لا تصلحه إلا بالقوة، فالنبي صلى الله عليه وسلم عندما بنى الإسلام ديناً ودولة كان جل عمله في تحقيق السلام والعدالة وحتى الإخاء لأن عمل الدولة الإسلامية الأصيل التعليم والتربية حتى يكون المسلم سلاماً على نفسه، سلاماً على من حوله، حتى مع عدوه يحاوره بالتي هي أحسن فإذا اعتدى معتد ولم يقبل بما يوصله للسلام لا بد من وجود قوة ترد عدوان المعتدي، فالدولة ليس للتحكم برقاب الناس ولا للتسلط عليهم بل لنشر العدالة بين كل الناس، والناس أحرار فيما يعبدون ولكن لا حرية لهم فيما يضرهم أو يؤذي الآخرين.
فالإسلام منع المسكرات والمخدرات والتدخين بحسب ما حكم العلم الآن لأنها مؤذية لصحة الإنسان في جسمه وأمانه. هذا حكم السماء وحكمة السماء.
قال أحد الضيوف: ما سمعته منكم أثبت لي أن الهدف في الإسلام هو صناعة السلام.
ضحك شيخنا قائلاً: لا ليس صناعة السلام، السلام يحدث من أجل الصلح بين عدوين بهدنة مؤقتة والإسلام جاء للإخاء والحب أتى لتحقيق أخوة الإنسان لأخيه الإنسان، ولتحقيق التزام الإنسان ومسؤوليته تجاه أخيه الإنسان.
كل ذلك تحقق في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين.
وبدأ يتناقص شيئاً فشيئاً لتغلب سيطرة الحاكم وأهواؤه.
رفع أحدهم يده قائلاً: يوجد الآن محادثات السلام على المستوى السياسي، فإذا لم تنجح هذه المحاولات كيف نشيع السلام؟
مسح شيخنا على القطة قائلاً:
كل شيء لا يتحقق إلا بتهيئة الأسباب، وبإزالة الأسباب التي تؤدي إلى الخصام والحرب فما دام هناك معتدٍ ومعتدى عليه فلا يمكن للمعتدى عليه إذا سنحت له أي فرصة إلا أن يدافع عن نفسه ويثأر لها.
السلام يكون بإزالة الاعتداء، إزالة الظلم، إزالة اغتصاب حقوق الآخرين، فكيف نطلب تحقيق السلام من الضعيف هذا سلام غير عادل وغير ناجح.
لو طبقت قرارات مجلس الأمن في فلسطين لما كانت الحروب الأربعة لكننا نظلم المظلوم ونسأله السلام سلام الظالم، سلام الذئب مع الخروف هل هذا سلام؟ أم انحياز إلى الظالم حتى يزداد ظلماً؟ إذا خطف الذئب الخروف ولحقه الراعي بالسلاح أيعطيه السلام مع الخروف؟
يريدون السلام للأقوياء، سلام الغاصبين.
اليهود في إسرائيل قتلوا عشرات ومئات الألوف من العرب، يا ترى هل كان هناك مؤتمر للمظلومين والضعفاء؟
يريدون سلام القوي الجائر مع الضعيف العاجز فهل يدوم هذا السلام وهل تزول أخطار عدم استتباب السلم؟
فالضعيف في أي فرصة ممكنة سيحاول أن يسترد ما سلب منه وتابع شيخنا منفعلاً: لو اعتدى معتدٍ على أمريكا كما اعتدى اليهود على العرب في فلسطين فما يكون موقفها؟
العدل الآن يكال بمكيالين، مجلس الأمن ليس للعدالة، مجلس الأمن لمصلحة الأقوياء وظلم للضعفاء، لذلك السلام بالأقوال وليس بالأعمال.
قال رئيس الوفد: نشكركم كثيراً على لقائكم لنا ونرجو أن تتوجهوا بكلمة للمسيحيين في أمريكا. قال شيخنا رحمه الله:
أناشد إخواننا المسيحيين أن يتعرفوا على الإسلام عن قرب كما يتعرف الجليس إلى جليسه لأن هذا موصل للحقيقة.
ليكن التعرف بالحوار، بالسؤال عن كل ما يجهل عن الإسلام.
مد الإسلام يديه الاثنتين للمسيحيين، وأعلن في القرآن وجوب الإيمان بالمسيح وبرسالته الأصلية، ونحن نقدس المسيح كما نؤمن ونقدس سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ورسالته والمفاهيم الإسلامية المغلوطة التي تصل إليكم مفاهيم خاطئة وغير صحيحة لذلك التلاقي ومعرفة كل ما يمنع التباعد والكراهية الممكن تلافيها هو كله مصلحة لأمريكا والمسلمين والإنسان في كل العالم.
مد الإسلام يديه للمسيحيين، وأعلن في القرآن وجوب الإيمان بالمسيح وبرسالته الأصلية
نظر شيخنا إليهم ملياً ثم قال باسماً:
أتى المسيح لسلام العالم والنبي صلى الله عليه وسلم أتى بنص القرآن رحمة للعالمين، وبأوامر القرآن الواضحة وليس باختيارنا.
إن للمسيح ورسالته منزلة في قلوبنا، فلا بد من التلاقي والحوار الحر وعن قرب لنتعاون ونتحد ونعمل سوية على بناء السلام العادل الإلهي، هذا هو الطريق إلى السلام الحقيقي.
أما السلام عن طريق عصبة الأمم فقد فشل وكانت الحرب الثانية وكثير من الحروب الصغيرة ضمن إطار هيئة الأمم فهل ننتظر لنرى السلام في الحرب العالمية الكبرى التي لن تبقيَ ولن تذر؟ وأنا متيقن أنه لو صار ذلك الحوار عن طريق رجاله المخلصين وأعطي حقه من الإعلام الصادق سنعرف السلام في الأرض وفي السماء ولو هيئت مؤتمرات رسمية بحوارات حقيقية سيكون لها ثمرة وفائدة كبيرة، فالمسلم ليس عدواً للمسيحي بل هو مناصر وصديق، ولو استعان رجال السياسة بالإيمان الحقيقي لخدموا أوطانهم والعالم كله، وهذا ما تدعو إليه كل الأديان.
وقف الجميع وسلموا على شيخنا، وأخذوا صورة تذكارية وهم يلهجون ثناءً عليه وعلى أفكار صححت نظرتهم إلى الإسلام والمسلمين.