من أمة قومية إلى أمة عالمية
لقاء أستاذ الجامعة محمد أسعد وزملائه الأمريكان
صيف 1995
جلسنا ننتظر أستاذ جامعة من أمريكا وزميله ومجموعة من الشباب أمسك شيخنا بكتابه كعادته بعد أن صلينا الضحى ونظر إليّ مسروراً وأنا أحضر دفتري والأقلام وآلة التسجيل استعداداً لاستقبال الضيوف قال شيخنا رحمه الله ضاحكاً:
العلم صيد والكتابة قيده قيد صيودك بالحبال الواثقة
أحسنتِ أنت عزائي كنت أرجو امرأة مثقفة تهتم بالفكر الإسلامي وتنقله للآخرين فالحمد لله.
جاء الضيوف ونزلنا إلى الحديقة لاستقبالهم والجو ربيعي معتدل رحب بهم شيخنا باشاً مبتسماً ثم قال:
العرب زمن النبي صلى الله عليه وسلم أبناء الصحراء لم يقرؤوا كتاباً ولم يكن لهم جامعات انقلبوا بشكل مفاجئ إلى فلاسفة العرب، إلى أخلاق الملائكة، إلى أعظم رجال في السياسة والحروب، بنوا الدولة الإسلامية، ثم أقاموا الدولة العالمية ومن أمة قومية إلى أمة عالمية.
قومية الأمة هي وحدة اللغة والأرض، هذه الأرض لا ترفع شأن الإنسان، كذلك وحدة اللغة موجودة بالحيوانات لغتهم واحدة وأرضهم واحدة لا توجد قومية أشرف من قومية، لكن الذي يشرف الإنسان علوم النبوة القائمة على العلم وهو كل ما ينفعك وينفع الناس لتعمل به، ومعرفة كل ما يضرك ويضر الناس لتتجنبه، وهذا أول جوهر في القومية السماوية، ثم هي الحكمة التي هي الصواب في القول والعمل. والثالث تزكية النفس ونقلها من رذائلها ونقائصها إلى فضائلها وكمالاتها.
فالإسلام نقل الإنسان من قومية الأرض واللغة الموجودة حتى بالحيوانات إلى قومية العلم والحكمة والتزكية فهذه قومية الإيمان.
الإسلام نقل الإنسان من قومية الأرض واللغة إلى قومية العلم والحكمة والتزكية
وهذا خاص بالإنسان الروحاني المؤمن والذي طريقه الصراط المستقيم سبيل الله؛ طريق الله؛ صراط الله.
والجهاد في سبيل الله أن نبذل كل ما نملك من طاقة لتوصيل العلم والحكمة والتزكية إلى كل الناس وأن تبذل مالك وجسدك وروحك في هذا الجهاد المقدس، وهو مقدس لأنه لا غرض المصلحة والمنفعة إلا هدف النهوض بالإنسانية إلى المستوى الملائكي لذلك المسلمون الأول لما جاهدوا في كل البلاد والشعوب فتحوها ليس استعماراً وتسلطاً على خيراتها بل ليعلموهم العلم والحكمة والتزكية وليكونوا متساوين بالنهاية.
فالإسلام لم يفضل بين إنسان وإنسان باللون وباللغة أو بالأرض، بل يفاضل بين البشر بالعلم والحكمة والتزكية وهو ما يسمى بالتقوى يقول الله عز وجل:{ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ }([1]) وهذا أغلى أنواع التعليم والثقافة.
العلوم الآن تهدف للوصول إلى المال والقوة ليتسلط القوي على الضعيف وهذا انحدار للإنسانية وهلاك.
أما ثقافة السماء فتأمرك بامتلاك القوة والمال لا لتطغى بها على الضعفاء أو لتمنع معونتك عن الضعفاء بل لتخدم الضعفاء وتعلمهم إن كانوا جاهلين وتغنيهم إن كانوا فقراء، وتعالجهم إن كانوا مرضى وإن كانوا أعداءً لتصلح بينهم هذا هو الإسلام.