لن نكون سعداء دون الآخرين
لقاء مع وزير الفاتيكان
3/2/1997 الموافق 16/شوال/1417هـ
وصل الضيوف وأحزمتهم الفوشيا تتلألأ على وسطهم وهم يتفحصون المكان رحب بهم شيخنا ثم قال:
نتعاون على إنقاذ إنسان هذا العصر الذي صار بين يديه أسلحة لا تدمر الإنسان فقط بل تتعدى ذلك إلى الحيوان والنبات.
ولا دواء لتحقيق السلام إلا الإيمان الحي، ولا بد من وجهة نظري من إصلاح جذري لفهم وتطبيق الإسلام والمسيحية لنعود إلى الأصول التي تفرض علينا لا أن نتفق فقط بل تفرض علينا أن نكون شخصاً واحداً يقول رسولنا الكريم: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى»([1])
لا دواء لتحقيق السلام إلا الإيمان الحي
والكرة الأرضية كانت كبيرة ومتباعدة والآن صارت بيتاً فإذا مرض واحدٌ مرض الجميع فيجب أن نبني كياننا على القيم الإلهية، فنحن أبناء الدينين يجب أن نفكر وبعمق بمسؤولياتنا أمام الله من أجل أن نلتقي في ظل الله الواحد الذي دعا إلى أن نحب قريبنا كما نحب أنفسنا فأكرر ترحيبي بالبطرك، فرد البطرك: أشكركم يا صاحب السماحة لإتاحة الفرصة لنا لمقابلتكم وكما أعلم أنكم اجتمعتم بالبابا بولس الثاني في روما وأُخبركم سلامه لكم وهو في صحة حسنة وبذاكرة جيدة وبنشاط جيد، رد شيخنا: أتمنى له الصحة الدائمة فتابع الضيف:
وعودة لما تفضلتم به بما يتعلق بالحوار الديني ليس فقط من أجل الدين بل أيضاً من أجل السلام، فشباب اليوم يعيش في جو وبيئة كلها صخب وضوضاء سواء من الموسيقا والتلفزيون والنت وأقول: إن هؤلاء شباب يخشون الصمت والسكوت فإذا لم يتحلَّ الإنسان بالصمت والسكون لن يستطيع أن يفكر ولا أن يصلي لذلك يجب علينا أن نرجع إلى إنسانيتنا الداخلية وأعماق كياننا الإنساني بالصمت والسكون لنستطيع أن نخاطب الله والأهم أن نستمع إليه.
قال شيخنا: الملحدون عُرض عليهم مفهوم الدين عرضاً خاطئاً لذلك طغى الخواء الروحي والتخبط في الحياة.
الملحدون عُرض عليهم مفهوم الدين عرضاً خاطئاً لذلك طغى الخواء الروحي في الحياة
الدين حسب ما أنزل الله عز وجل من أجل سعادة الإنسان ليس في روحه فقط بل وفي جسده وفي كل نواحي حياته، وقد زرت الكرملين مرتين وكان الحوار مرة ساعة مع نائب برجنيف، ومرة مع رئيس اتحاد القوميات فما كان نتيجة هذا الحوار إلا أن الأول قال: إذا كان الإيمان ما أسمعه منك فالإيمان شيء حسن وأرسل لي الآخر مع أحد تلامذتي قائلاً له: قل للمفتي أنا مؤمن.
نحن -المترجمين للدين- نحتاج إلى إتقان الترجمة العملية فنعمل بما قاله الأنبياء أن تحب قريبك كنفسك وكما قال سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه»([2]).
وسائل الإعلام المعاصرة لو وجدت في زمن سيدنا المسيح أو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لانحلت كل الإشكالات .. وإذا نحن لم نحقق هذا الهدف فاعتقد أن سيدنا المسيح وسيدنا محمد سيكونان بريئان منا وضحك شيخنا.
قال السفير: في الحقيقة يجب أن نسعى وهذا أول واجب لنا، رد شيخنا مبتسماً: ومفتاح هذا العمل التلاقي المتواصل والحوار المركز لأننا كلنا يعلم تدهور الإنسان وبعده عن الله وما يحيط به من إغراءات وخطط شيطانية لإبعاده عن الدين.
سأل رئيس الوفد: ترى هل الجيل الصاعد ملتزم ومقبل على الحياة الدينية.
أجاب شيخنا: أتمنى لو تأتينا يوم الجمعة لترى الشباب والشابات المقبلين على الله، وحسب ما رأيت من أمريكا إلى اليابان وعبر الكرملن ما رأيت الإيمان ينهزم مع أنني اجتمعت بمئات من الناس من أكاديميين وجامعيين وملحدين وغير ملحدين.
من مميزات وحسنات عصرنا الذي يتميز به حتى عن عصور الأنبياء أن الإنسان مستعد ليسمع وليتعلم ما يجهل وخاصة انتشار ثورة الاتصالات الآن المهم نحن رجال الأديان أن نحسن ترجمة الدين لأن الله أنزله من السماء ليس لمصلحته ولكن لمصلحة الإنسان.
قال السفير: أشكركم كثيراً لهذا الحديث وهذه الأمور الهامة التي أثرتموها وأرجو أن يكون هذا الإسلام المتسامح في سورية مصدر إلهام لبقية الفئات الدينية في جميع أنحاء العالم.
رد شيخنا: (نحن لن نكون سعداء دون الآخرين) ولن (نكون سعداء وبيننا عداء فلنعمل مع بعض).
قال السفير: قرأت كتابك (طريق الحق) وكله مفاهيم رائعة وحلول مثالية لذلك يجب أن نسير على طريقك. ضحك شيخنا وقال: مرحباً وأهلاً بكم. وتبادلا الهدايا .
سمعت الوزير يقول لصحبه وهم يغادرون: إنه متكلم من عالم آخر من عالم السماء، عالم فوق إدراك العالم الآن، وعاد الأستاذ فاروق بعد توديعهم ليقول لشيخنا ما قاله ذلك الوزير لصحبه.
([1]) رواه البخاري (الأدب: 6101)، ومسلم (البر والصلة: 2586) عن النعمان بن بشير رضي الله عنه.