لا بد أن نلتقي و سيكون السلام
وفد صحفي من أوربا وألمانيا خريف 1997
دخل شيخنا الصالون بلباسه الأبيض ووجه يشع نوراً ووقف أعضاء الوفد وكلٌ ينظر إليه محاولاً معرفة كنه هذا الرجل الذي نصحهم الكثير بلقائه ممن اجتمعوا بهم سابقاً، رحب شيخنا بهم وكان يرنو إلى كل واحد منهم بابتسامه فرحاً بهم.
قام أحد الصحفيين الألمان وسأل شيخنا: هل من الممكن أن يدرس الجيل القادم المسيح والمسيحية ولا يكتفي بدراسة القرآن فقط؟
ابتسم شيخنا وهز رأسه قائلاً: في الحقيقة القرآن اشتمل على حياة المسيح وحياة الأنبياء جميعهم، وثاني أكبر سور القرآن سميت باسم عائلته آل عمران تقديساً له، وذكر فيها معجزات المسيح وأنه من روح الله وقد دافع عنه تجاه خصومه من اليهود وأذاهم وهناك أيضاً سورة خاصة باسم السيدة مريم ذكر فيها ولادة المسيح وحضور الملائكة ومخاطبتهم لها {وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِين }([1]).
ولعل ما ذكره القرآن عن السيدة مريم أكثر مما ذكره الإنجيل وفي القرآن نفسه عندنا دراسة قرآنية كبيرة عن المسيح والمسيحية، ولو أن إخواننا المسيحيين درسوا القرآن دراسة عميقة لعرفوا ذلك ولكُنّا معاً في حالة تُسِرُّ الله والملائكة في الأرض وفي السماء.
ونحن نقرأ الأناجيل الأربعة ونقرأ الأناجيل التي لم يُقرها مجتمع (نقيه) مثل إنجيل برنابا ونعلم أموراً كثيرة عن المسيح والمسيحية، ونحن بحسب إيماننا نؤمن بالمسيح ورسالته كما نؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم ولو عرف إخواننا المسيحيون سيدنا محمد لأحبوه كما نحب نحن المسيح ونقدسه ولا نقلب العالم كله إلى عالم واحد متآخي باسم الله تحت ظل تقديس المسيح ومحمد واحترامهما.
وسيدنا محمد ما أتى لينقض رسالة المسيح وما قال أنا سأبني دار الإيمان بل قال إنه الحجر الأخير في تمام البناء وجاء ليتم هذه الرسالة.
وكنت قد اقترحت في أكثر من مؤتمر عالمي أن يؤلف كتاب شرح المسيحية من قبل المسيحيين وكتاب شرح الإسلام من قبل المسلمين ويطبع في مجلد واحد ليتعرف أبناء الدينين على بعضهم البعض من خلال القرآن والإنجيل.
إخواننا المسيحيون يؤمنون بالله الواحد أما هكذا؟
نحن متفقون على هذا، سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ورسالته عرَّفت أكثر من مليار إنسان بالمسيح وأمه ورسالته ألا يجب على إخواننا المسيحيين أن يعرفوا هذا الذي آمن به مليار إنسان ضمن أربعة عشر قرن وكلهم يقدسون المسيح ويؤمنون به لا أريد أن أقول إن إخواننا المسيحيين عملوا على عكس ما فعله المسلمون في وقت مضى ولا نسأل عن الماضي، ولكن أؤمن أن إخواننا المسيحيين لو درسوا رسالة محمد صلى الله عليه وسلم الدراسة الصحيحة من مصادرها الأصلية لانقلب كوكب الأرض إلى جنة الأرض قبل أن نصل إلى جنة السماء، وأنا أؤكد أن القرن الواحد والعشرين قرن تلاقي الإسلام والمسيحية وزارني مرة سفير كندا فسألني كم عدد المسيحيين في سورية وهو يعلم أن نسبتهم 13% فقط فقلت:
رسالة سيدنا محمد عرَّفت أكثر من مليار إنسان بالمسيح وأمه ورسالته
إن كل الناس في هذا البلد مسلمين ومسيحيين لأن كل من يؤمن بالمسيح هو مسيحي.
نتمنى من إخواننا المسيحيين أن يعرفوا هذا ويقابلوا التحية بمثلها ولكن عن دراسة وعلم وعندئذٍ سيقام لنا احتفالاً في السماء لتلاقينا، أمرنا الله أن نؤمن بالمسيح وبكل الأنبياء حتى أن رسولنا الكريم قال: «أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم في الأولى والآخرة» قالوا: كيف؟ يا رسول الله، قال: «الأنبياء إخوة من علات، وأمهاتهم شتى، ودينهم واحد، فليس بيننا نبي»([2])، وسيقوم الشيطان وحزبه احتجاجاً على تلاقينا، ضحك شيخنا وضحك الجميع.
قال أحد الصحفيين: حقاً مرًّ علينا ثلاثة عشر قرناً ولم يكن تصرفنا بالشكل الذي تتفضلون به، نحن أقرباء ولكننا لم نتصرف بما يمليه القرآن، والحروب الصليبية ليست من نتاج هذه القرابة، ولكن لا نستطيع أن ننفي هذه القرون التي مضت لأنها من صلب التاريخ المؤسف.
قال شيخنا رحمه الله باسماً: القرآن يحدثنا من هذا الموضوع في تناسي تلك الأخطاء، فقال: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ}([3]).
فنحن أبناء هذا العصر ولا نسأل عن الماضي فالحروب الصليبية كان لها أجواؤها وجهلها أما الآن فتغيرت الدنيا كلها، أما آن للأفكار العتيقة التي ما زالت تسيطر على عقولنا أن تتبدل؟
ما يعرفهُ الإنسان الآن غير ما يعرفه قبل مئة سنة فضلاً من مئات السنين السابقة العالم الآن صار قرية واحدة وبيتاً واحداً فلماذا لا نعمل على نشر الخير والمعرفة؟
قال رئيس الوفد: أحب أن أضيف شيئاً، يوجد أمور مشتركة ولكن ما زالت هناك نقاط خلاف واختلاف، فمثلاً عندما نقرأ الإنجيل وما فيه عن السيد المسيح وشخصيته وطبيعته نرى في القرآن شيئاً مغايراً لذلك فكيف نتعامل مع هذا الاختلاف؟
قال شيخنا وقد اعتدل في جلسته: نحتاج إلى مترجم جيد فإذا كانت الترجمة جيدة فلا خلاف أبداً لأن شخصين قد ينقلوا خبرين لموضوع واحد وبحسن نية لا يكون تأدية أحدهما كالآخر، لذلك في هذه الأمور الهامة لنختار أجود وأكفأ من يعرف بكنه تلك الأمور، وفي رأيي لا خلاف أبداً وأؤكد كما أؤكد رؤيتي لكم أن القرن الواحد والعشرين قرن اللقاء وهذا سيكون من السماء وسترون ذلك.
لم يكن مثل هذا اللقاء ممكناً قبل مئة سنة ويجب أن توسع دائرة اسلام، وأنا أعمل لهذا التلاقي من خمسين سنة وثار عليّ كثير من رجال الدين الإسلامي واتهموني بأشياء كثيرة، وآذوني ولكن الشجرة التي تثمر وتزهر هي التي تصمد ولا تتحول وصار هذا المعنى في بلادنا ونحن أخوة وأنشر ذلك في كل المؤتمرات العالمية، لا بد أن نلتقي وسيكون السلام.
ودّع الوفد شيخنا وهم سعداء بنقاط التواصل وإمكانية السلام.
[2])) صحيح مسلم: 2365 / كتاب الفضائل/ باب فضائل عيسى عليه السلام.