Skip to content
قتلة الأمل

قتلة الأمل

الشيخ أحمد كفتارو مع روجيه غاروديلقاء روجيه غارودي (1)

رحب شيخنا بالدكتور روجيه الذي أصر أن اسمه صار رجاء وتمنى له إقامة طيبة.

قال روجيه مهتماً: إن المدنية الغربية في طريقها إلى الموت لغياب الأهداف وإننا نرى انتشار قتلة الأمل الذين يحاولون إقناع الشباب بأن حياتهم لا معنى لها لا يُمكن أن يُترك المستقبل لهذا العالم الغربي، فقد هيمن خمسة قرون على مقدرات البشرية، فاتجه للإبادة أكثر بكثير مما اتجه للتعمير.

وما جذبني للإسلام هو الصوفية وكل الذين يسلمون الآن من العالم الغربي أحبوا الصوفية، وهي موجودة في كل الأديان ولكن بأشكال مختلفة وهو التوجه الروحي.

ردّ شيخنا: معنى الصوفية عند الآخرين هي العناية بالروح مع إهمال الجسد والرهبانية، وهذا خطأ ومخالف للطبيعة، الإسلام يبسط جوانبه الروحية على أمور الحياة وحتى المعاملات فالإنسان يراقب الله في كل تصرفاته وهذه وظيفة الدين هذا التوازن في الإسلام في سعيه للدنيا كما هو في سعيه للآخرة، فعليه أن يسعى في الأرض، ويمشي في مناكبها ويبذل كل جهده من خلال أوامر الله.

الإسلام يبسط جوانبه الروحية على أمور الحياة وحتى المعاملات

هكذا فهم الصحابة والمسلمون العمل في الدنيا والعمل للآخرة كانوا يتقون الله حق تقاته ويضحون بأنفسهم وأموالهم في سبيل الله وزارعين في الدنيا كل الخير لكل من حولهم، وهذه الصوفية ليست شيئاً آخر سوى تزكية القرآن للنفس المؤمنة، مع التزام الشريعة أولاً وعلى أيِّ حال إن هذه الطرق كان لها الفضل في استمرار الإيمان تحت أقسى الظروف المعروفة في معظم البلاد، ومن الخطأ أن يظن البعض اليوم أن التزكية في عصر العقلانية لا دور لها فالعكس هو الصحيح.

ردّ روجيه غارودي متحمساً:

كثير من رجال الغرب عرفوا الإسلام من خلال التصوف والآن وفي هذا العصر هناك موجة جديدة للتحول إلى طرق الصوفية، فكل من ينادي بالتغيير يتجه نحو التصوف الذي جوهره تزكية النفس كما ذكرتم سيدي، لأنهم الآن في شك متزايد باستمرار ليس فقط تجاه العقلانية والمنهجية المادية الغربية، بل في أنظمة المجتمع الغربي نفسها التي أنتجت الفاشية والنازية، والحرب النووية، وتخريب الشعوب الضعيفة، واستعمارها ونهبها لثرواتها.

وتابع متحمساً: إن الجيل الصاعد قد فضح زيف التقدم الغربي، ورأى أنه محض مبالغات يرثى لها، لذلك يحاول الكثير من الشبان الآن تصحيح خطأ هذا التطور وهذا التجاوز بالارتماء في أحضان نقيض العقلانية لعله يجد من يعصمه ويستسلم له فيرتاح وتطمئن نفسه القلقة أبداً.

كان شيخنا يصغي إليه باهتمام ثم قال: ذكرتُ في المؤتمرات التي كنت أحاضر فيها أن لا حل إلا بالعودة إلى شريعة الله فهو أعلم بما يسعد عباده.

لا حل إلا بالعودة إلى شريعة الله فهو أعلم بما يسعد عباده

قال روجيه: الخيار الأخير كما قال: “كارل رانر” أن المسيحي سيكون في المستقبل إما صوفياً وإما ملحداً.

قال شيخنا: الإسلام ليس سكوناً وتماوتاً، وشخوصاً إلى السماء، واستسلاماً، بل هو كما قال رسولنا الكريم: «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان» ([1]).

استعن بأوامر الله وخطة الله لتصحيح ما مضى وزرع لما يستقبل الخلاصة (اعقل وتوكل) أجاب الدكتور روجيه منفعلاً: لا خيار سوى الإسلام وبهذا لا تنقطع الصلة بين العقلانية والتصوف.

أجاب شيخنا: المسلم مسؤول مسؤولية شخصية عما يفعل وعما يقول، يقول النبي صلى الله عليه وسلم «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته» ([2]).

فكلكم مسؤول -الرجل والمرأة- لا استثناء والمسلم في ثقة كبيرة أن الله سيجزيه خيراً على أفعاله الخيرة وعقوبة على أفعاله الشريرة والسيئة.

عقب روجيه قائلاً: يجب أن نسمع الآخرين فلن يتم أي حوار وانسجام إلا إذا أصغى كل إلى الآخر.

قال شيخنا: لن يقتنع أحد بمن يحاوره إلا إذا أيقن أن لديه ما يتعلمه منه أو يصحح به خطأه.

لن يقتنع أحد بمن يحاوره إلا إذا أيقن أن لديه ما يتعلمه منه أو يصحح به خطأه

سكت الدكتور روجيه لحظة ثم قال مندفعاً:

ذكرت كثيراً في كتبي أن ما أُنكِرُهُ على الحضارة الغربية: أن تضع نفسها مكان الصدارة وحدها ملغية الحضارات الأخرى العريقة ومن الخطأ الجسيم أن يضع الغرب نفسه موضع المعلم لجميع الأمم، لأنني إذا كنت منطلقاً من كوني أمتلك الحقيقة الكاملة المطلقة النهائية فليس هناك إمكانية للحوار هذا هو تعريف “الدوغماتيه” التي هي إنكار الآخر وعدم احترام انسانيته.

أعاد روجيه: ما دمت معتقداً بامتلاكي للحقيقة المطلقة أعتبر كل من يخالفني الرأي إما مريضاً عقلياً، وإما مجرماً ينبغي عقابه هكذا بدأت محاكم التفتيش عملت على إحباط الإنسانية بدلاً من تعميقها وتوعيتها.

قال شيخنا: المعرفة الإنسانية محدودة وتبقى معرفة نسبية ومؤقتة ولكن كلام الله أوضح من كل ذلك.

هزّ روجيه رأسه قائلاً: للأسف التاريخ لا يعطي حقائق وظن المسلمون أن التفوق التقني هو تفوق على المستوى الحضاري ولكنه تدهور أخلاقي وإنساني الكارثة أن البلدان الإسلامية لم تميز بين الحداثة والغربية، وظنت أن كل ما لدى الغرب تفوق وحضارة وتقدم، ما أنكره دائماً أن نجعل الحضارة الغربية قدوتنا إن تخلينا عن الحكمة والوعي والإنسانية يعني أن يصبح الإنسان بربرياً.

قال شيخنا: إذا فقد الإيمان صار الإنسان مجرماً أو شيطاناً ولا يمكن العيش بمجتمع إذا ألغى من وجوده التسامي في الإنسانية.

ردّ الدكتور روجيه: عندما يعيش إنسان بدون قيم مع إنسان مؤمن يحمل أخلاقاً كبيرة يمكن أن ينتصر عليه كما فعل الأمريكيون تجاه العبيد فقد قتلوا منهم من مئة إلى مئتي مليون إنسان، كذلك عندما فرض الغرب تجارة الأفيون الحرة في الصين لتنفيذ أطماعه أفسدوا الأخلاق والأرواح فهل هذا انتصار للمدنية والحضارة على التخلف والبربرية؟

صدقني الآن في الغرب تطرح كثيرٌ من التساؤلات حول شرعية وحقيقة القيم التي يعتقدها الغرب.

ردّ شيخنا بأسف: آثار الاستعمار ما تزال ظاهرة خاصة في البلدان التي يحكمها قادة تخرجوا من جامعات الغرب، وتأثروا بأفكارها وللأسف كل هم الأفراد والحكومات كان ينصب على نقل نموذج المجتمع الغربي مع سلبياته إلى بلادنا، ولن نُنقَذُ مما نحن فيه إلا بالارتباط ببرنامج الله ارتباط الغريق بالسباح الماهر والخير موجود في كل نفس كطبقات التربة الخصبة كلما ضرَبَتْ الجذور فيها وجدت عناصر الغذاء والماء.

سأل الحواريون عيسى عليه السلام يا روح الله:

أعلى الأرض اليوم مثلك؟

قال: نعم من كان منطقه ذكراً وصمته فكراً ونظره عبرةً فإنه مثلي.

الذكر شعلة في القلب يرى الذاكر بها الحقائق الروحية وحكمة الحقائق الدنيوية وهي النعيم الحقيقي وهل النعيم إلا نعيم القلب؟!

الذكر شعلة في القلب يرى الذاكر بها الحقائق الروحية وحكمة الحقائق الدنيوية

وهل العذاب والجحيم والهم والحزن إلا في القلب؟!

المهم تعميق منابعنا الروحية، لأنه عندما تطغى ظلمات الروح، ودسائس النفس يشعر الإنسان بأنه يقتل نفسه وروحه ولا يجلي لك الغمة وينير تلك الظلمة إلا تزكية النفس وكثرة ذكر الله.

تجديد الحياة ينبع من داخل النفس باتجاه الإيمان فيجرف معه كل خوف وكل أنانية والمؤمن القوي لا تخضعه الظروف المحيطة به بل يستفيد من كل ظرف.

تجديد الحياة ينبع من داخل النفس باتجاه الإيمان فيجرف معه كل خوف وكل أنانية

هز الدكتور رأسه موافقاً وسعيداً بما سمع.

[1])) صحيح مسلم: 2664 / كتاب القدر / باب في الأمر بالقوة وترك العجز والاستعانة بالله وتفويض المقادير له.

[2])) صحيح البخاري: 893 /كتاب الجمعة/ باب الجمعة في القرى والمدن.

Order Online

Share via
Copy link
Powered by Social Snap