سلاح اللطف
كان هناك كلبة شرسة تلازم الجوار، وكانت تتعرض للإخوان حتى إن الكثيرين قد نالهم الأذى من عضاتها، وكانوا يخشون عليَّ منها.
كنا نتمشّى أنا وشيخنا مرةً وكان الصباح ربيعياً والجو هادئٌ وجميل، فاتجهنا إلى الطريق الترابي الداخلي.
كنت أحب هذا الطريق، فالأشجار ملتفة والعشب في كل مكان، والشعور بالانفراد يريح النفس ويفتح آفاق الحديث مع شيخنا.
كان المنظر رائعاً فجلسنا على الكرسي وبدأت أسمع حديثه بشغف واهتمام، فدائماً توجد أفكار جديدة ومتنوعة، وكنت أحس وأستشعر خصوصية العلوم التي يُنعم بها علي، لقد كان مرحاً يصب العلم في قالب مرح بسيط ويعيد الآيات والأشعار كثيراً ليحفظني إياها باسماً صبوراً.
فجأة رأيت تلك الكلبة تتجه نحونا، ورأيت الإخوان الثلاثة كل واحد منهم يحاول أن يبعدها عنا وينبهنا إلى خطرها، ولكن شيخنا لم يبال.
قلت له: إن الإخوان قد جربوا أسنانها عدة مرات، وإنهم خائفون علينا، فضحك وناداها: تعالي.
فجاءت وقد نكست رأسها إلى الأرض متذللة له، وصلت إلى قدميه ونظرت إليه وهي تهمهم فمرر عليها عكازه وهو يرحب بها: (أهلين أهلين).
حاول الإخوان التلويح لها بالابتعاد، فرفع شيخنا يده لهم فابتعدوا، وتابع شيخنا حديثه معها: (كيفك؟).
فانقلبت على ظهرها وتمرغت بالتراب تحت قدميه وهي تهمهم بصوت لطيف وكأنها تحدثه، فصار يمرر عليها العصا بلطف ويلاعبها ويقول لها: (أهلين)، فاستكانت وهي تهز ذيلها بفرح.
بعد دقائق قال لها: (هيا مع السلامة).
فقامت وهي تمشي القهقرى والإخوان ينظرون بدهشة وتعجب ثم جاؤوا إلى شيخنا وقالوا له:
إنها شرسة جداً، وقد نالت من معظم الإخوان.
ضحك كثيراً ثم قال: (سبحان الله اللطيف، سبحان الله اللطيف، باللطف يا بني تكسب حتى قلب أعدائك وتقلب مزاجهم، وكما يقال: “الأسلحة ثلاث: اللطف، ثم اللطف، ثم اللطف”.
باللطف يا بني تكسب حتى قلب أعدائك
وهذا مع الإنسان والحيوان، ولم أجد مخلوقاً لا خير فيه، وكلّ واحد له مفتاح، المهم أن يطابق المفتاح القفل فتكسب المعركة وتنجح في استمالة القلوب والعقول.
لم أجد مخلوقاً لا خير فيه
ألم يقل الله عز وجل مخاطباً رسوله صلى الله عليه وسلم:
الدعوة أساسها اللطف، وأن تحب لأخيك ما تحب لنفسك
{ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}([1]).
الدعوة أساسها اللطف، وأن تحب لأخيك ما تحب لنفسك).