الهروب ليس حلأ
صيف 1992 في (الزبداني)
مع اشتداد حرارة الجو في المزرعة استضافنا أحد الإخوان في بيت له في “حاليا” تغدينا عنده وصعدنا بعدها إلى الشقة لنرتاح قليلاً، أخذنا غفوة قصيرة ثم سمعنا صوت أذان العصر فقمت أتهيّأ للوضوء، فرأيت حشرة تتحرك وسط الغرفة تشبه العقرب صفراء كبيرة منفوخة الظهر، ندّت مني صرخة خوف لا حظ شيخنا رحمه الله اضطرابي فراقبني باسماً مشجعاً ومطمئناً لي بنظراته.
ترددت لثوانٍ ماذا أفعل وكيف؟
أأتركها تنسل تحت الخزانة أو السرير؟
هذا سيزيد خوفي أن تصل إلينا وتصبح هاجسي ووسواسي … فكرت في الهروب ولكن منعني من ذلك بقاء شيخنا وحيداً كما أنها قد تهرب وتختبئ لتعود مرة ثانية كانت متسمّرة كأنها تلاحق أفكاري وترددي ولكن كيف لي أن أقتلها وخوفي شديد؟
نظرت حولي، فوجدت حذائي لا يفي بالغرض وحذاء شيخنا أكبر تحركت بحذر وأنا أرتعش حقاً تسمّرت الحشرة وسط الغرفة، وكأنها تحدد اتجاهي حتى تهرب في الاتجاه الآخر أمسكت حذاء شيخنا واستجمعت قوتي وبشجاعة نادرة فعلاً أهويت عليها بكل قوتي وأنا أردد بسـم الله الرحمن الرحيم، باسم الله، الله أكبر .. وما إن أهويت بالحذاء عليها حتى تناثر سائل جسمها على الأرض، تنفست بعمق:
الحمد لله، الحمد لله .. صفق لي شيخنا ضاحكاً أحسنت بطلة سبحان الله دائماً كان يمدحني ويشجعني ولو على أبسط الأمور، عدت إلى السرير جلست بجانبه أُهدأ من روعي وقلت له: والله خفت ووضعت يده على قلبي كان يدق بشدة.
قال شيخنا مهدئاً ملاطفاً: لا تخافي الخوف يهدر إمكانية الإنسان وقدراته، يشل الإنسان، منحنا الله القدرة وهي كامنة في فطرتنا، ومنحنا العقل لإدراك الحقائق وهذا عون من الله للعبد، الإيمان إرادة وعمل يطوع لك المواقف الصعبة التي تقابلك.
الخوف يهدر إمكانية الإنسان وقدراته، يشل الإنسان
الإيمان إرادة وعمل يطوع لك المواقف الصعبة التي تقابلك
قلت: صدقني خفت أن تقفز إليّ أو تهاجمني ولولاك لهربت من البيت كله. ضحك طويلاً وربَّت عليَّ قائلاً:
الخوف من الفشل أقسى من الفشل بل هو الذي يؤدي للفشل الخوف من الآخر ولو كان حشرة يزعزع الثقة بالنفس، فلا يرى الإنسان حقيقة الآخر، ولا يستطيع تملكه أو تفهمه، الثقة بالنفس تولد القوة للعمل للوصول إلى الأفضل، أريدك قوية ليس فقط في حدود شخصك، قوية تدافعين عن نفسك وعن غيرك لمد العون لجميع الناس.
الخوف من الفشل أقسى من الفشل بل هو الذي يؤدي للفشل
تمشينا بعد الصلاة على الشرفة وهو منشرح الصدر فرحاً وكأن قوتي أسعدته وردد مشجعاً ضاحكاً:
أريدك قوية تغلبين ولا تُغلَبين، ولكن بالحق واللطف والحكمة، كلنا مسؤولون أن نقوي بعضنا بعضاً أن نكون جسوراً لبعضنا.