الإيمان توازن للروح والجسد
الثلاثاء – حزيران 1996
كان الوقت ربيعياً، والشمس حانية دافئة تصل إلى قلوبنا بلطفها متسللة عبر نوافذ الصالون، ذكرنا الله مع الأخوات وتذاكرنا عبارات شيخنا في محاضرة الجمعة الفائتة، وبدأت الأخوات بالمغادرة، رأينا شيخنا يتمشى مع شباب المزرعة، ثم جلس على الكرسي الحجري، فتسابقنا إليه نادانا بعد أن صرف الإخوان وقال لنا بحنان:
هنيئاً لكنّ مجلس الذكر، مجلس الملائكة، رياض الجنة في الأرض.
أخرجت الأخوات دفاترهن ليكتبن وتابع شيخنا: والله لو أتيتم حبواً فأنتن الرابحات، المسلم بلا ذكر بطاريته فارغة، فمن أين له بالطاقة الروحية؟
هذه هي الزوادة الحقيقية للتقوى، حيث يفاض عليه العلم اللدني، الإنسان الخام ينساق مع شهواته وغرائزه حتى تتسلط عليه، فلا يستطيع الاتجاه إلى الحق، فيفقد إنسانيته ويصبح حيوانياً في تطلبات جسده وشهواته، كما قال تعالى:
{ أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ }([1]).
الغافلون عن أوامر الله المتناسون لها، الرافضون لما أنزل الله، أما المؤمن الذاكر فتهيمن روحه على جسده، وتحلق به إلى المعالي في كل حياته، فيكون الله رقيبه، وجليسه، وقائده في كل أعماله.
جلسنا على الأرض ونحن نرنو له بحب فتابع:
الإيمان يا بناتي توازن للروح والجسد حتى يعيش دنياه ولا ينسى آخرته – افتقدت إحداهن قلمها فأعطاها قلمه- وهو يقول: اعملوا وسارعوا قبل فوات الأوان، أمل ولا عمل تلك هي الأماني
الإيمان توازن للروح والجسد حتى يعيش دنياه ولا ينسى آخرته
ماذا يقول الشاعر فقلت متحمسة:وما نيل المطالب بالتمني ولكن تؤخذ الدنيا غلابا
نظر إليّ بسعادة وقال: أحسنت ما شاء الله ولكن هذا البيت فيه خطأ تؤخذ الدنيا غلابا، عراكا، لا: تؤخذ الدنيا تعلماً وحكمة، وتواضعاً ولطفاً، وتخطيطاً وكله تحت مظلة تعاليم الله ورسوله
تؤخذ الدنيا تعلماً وحكمة، وتواضعاً ولطفاً، وتخطيطاً
قال ربنا الكريم:{وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ }([2]).
هذا خطابه لنبيه الكريم يعني لولا إلهام الله له باللطف والرحمة لتركوه وما قام الإسلام، لذلك بناتي للوصول إلى الهدف يلزمنا أن نفهم من أين نبدأ وبنيه [إلهي أنت مقصودي ورضاك مطلوبي] عندها يتحقق الهدف ويصبح له طعماً آخر وخيراً للجميع، ابتسم شيخنا لهن وتابع: ….
عظمة الإنسان هدفه، علمه عمله إنجازه ثمراته أخلاقه إصلاحه للآخرين، العوام لا تفكير ولا انتباه لجوهر الأمور نفس حيوانية وشهوات ورغبات ولغو ونوم قال تعالى:
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ}([3]).
البذرة الصغيرة إذا أعطيت حقها تصبح شجرة وارفة الظلال حلوة الثمار، احرص على أن لا تكنّ مسلمات الاسم جاهليات الأخلاق والسلوك ورفع يديه داعياً:
الله يعطيكم طافة الجر وأن تكونوا جارين لا مجرورين ما من أحدٍ مستثنى من المسؤولية وكلنا مسؤولون ومحاسبون وسنقف أمام الله تعالى الذي قال { وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ}([4]).
المسلمون نيام ولكن بحاجة لمن يوقظهم بلطف قبل أن يسحقهم قطار الإفساد.
المسلمون نيام بحاجة لمن يوقظهم بلطف قبل أن يسحقهم قطار الإفساد
([1]) سورة الأعراف، الآية: (179).
([2]) سورة آل عمران، الآية: (159).