Skip to content
إنما هو الهوى إنما هي الأنا

إنما هو الهوى … إنما هي الأنا

الشيخ أحمد كفتاروكان الجو ربيعياً جميلاً، والشمس دافئة، والزهور قد أطلت برؤوسها وشذى عبيرها يملأ المكان. كنا نتمشى بسعادة وقد أمسكت يده الطرية. دخلنا الطريق الترابي وقلما يصل إلينا أحد في ذلك الطريق، ولكن بعد جلوسنا بدقائق جاء أخ كريم، وبدأ حديثاً وصل إليه من بعض الأشخاص. حاول شيخنا تهدئته وتذكيره بقوله تبارك وتعالى:{إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا } ([1]). ولكن الأخ أكد الحديث وحاول إثارة الموضوع ثانية وكأنه لم يسمع نصيحة شيخنا. عندها قال له شيخنا بضيق: (حدث كذا، أو سمعت كذا، وكأنه وحي مُنْزَل بدون أية أدلة أو حجج وكأنك الصخر يردد الصدى!. أنت صخر؟ أنت جماد؟ أنت مُحاسَب! هل أنت غافل؟! تعيد القصة كالببغاء! ألا تفكر في حقيقة الأمر، أين دليلك على ما تقول؟ يا بني لو كان ما تقوله قرأته في كتاب فيجب تنقيحه والتأكد من صدق ذلك الحديث. الكتاب هو إنسان له وعليه وليس كل ما تقرؤه صحيح، هذا يؤدي لانحلال المجتمع وفقد الأخلاق. وكما يقول الشاعر: وإذا أُصيب القوم في أخلاقهم      فأقـم عليهم مأتماً وعويلاً) ثم تابع بحدة: (تظن فلاناً كذا فتصدق ظنك هل يعقل هذا؟ الظن ترجيح أحد الأمرين على الآخر بغير دليل). حاول الأخ أن يتكلم ولكن تابع شيخنا بحدة: (اليقين هو العلم من خلال أدلة قاطعة وبراهين، يا بني امشِ وراء العلم ولا تمش وراء الهوى ووراء الشك… عندما تسمع كلاماً من حاسد أو عدو فإن كنت صادقاً فانصحه سراً وأصلح أمره، أما أن تتكلم عليه وتفضحه، ثم تقول أنت مسلم!!!

يا بني امشِ وراء العلم ولا تمش وراء الهوى ووراء الشك

يا بني لنعد إلى إسلامنا وإلا فنحن الخاسرون أولاً، لن تستقيم الأمور لوحدها، الاتهام سهل ولكن هناك مسؤولية أمام الله. يقول الله عزَّ وجل: { وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا }([2]). جعلَ اللهُ عزَّ وجلَّ الإنسانَ رقيباً على سمعه وبصره وقلبه فلا يسمع ما يسيء إليه، ولا يتكلّم بما يظلم به نفسه أولاً، وإذا عملنا بهذه الآية هل ننجح أم نفشل؟… وصدق الله العظيم: { مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ }([3]). هل إسلامنا صحيح؟ هل نستطيع بدون تلك الأخلاق وهذه الآيات أن ندخل الجنة أو أن ننجو من الحساب؟). غادرنا الأخ منفعلاً محبطاً لأنه فشل في استفزاز الشيخ على إنسان معين، وكان شيخنا منفعلاً أيضاً وصار يردد: (لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، سبحان الله، سبحان الله). ارتبكت قليلاً فالموضوع لا يعنيني ولكني تضايقت لأجله، حاولت تهدئته وتخفيف الأمر فقلت له: سبحان الله كلٌّ له وجهة نظر. فقال بقوة وحزم: (إنما هو الهوى، إنما هي الأنا، حتى لو أيقن أنه الباطل لن يغير فكرته. لا سواء… الأنا في كفة والحقيقة في كفة فسترجح الأنا ولن يرضى بالحق أبداً… يقول الله عز وجل: { أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} ([4])). عدنا بصمت، وكنت أردد في قلبي: حقاً إنما هو الهوى، إنما هي الأنا، وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله»([5]). لقد تبدت له الحقيقة، وكم يتصور الإنسان أنه يناقش أو يحاور بأمانة ولكن الحقيقة شيء آخر تبزغ من القلب أولاً ثم تنطلق إلى اللسان، ولكن كما يقول شيخنا: أي قلب؟ إنه ليس أي قلب!. ([1]) سورة الحجرات، الآية: (6). ([2]) سورة الإسراء، الآية: (36). ([3]) سورة فصلت، الآية: (46). ([4]) سورة الجاثية، الآية: (23). ([5]) سنن الترمذي، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

Order Online

Share via
Copy link
Powered by Social Snap