إذا تعب الجسد تعجز الروح
كان شيخنا رحمه الله حنوناً لطيفاً حتى ولو كان مريضاً فهو نادراً ما يغضب مع شدَّة تعبه وألمه.
كان دائماً يخشى أن يزعج الآخرين، بل ويحرص على راحتهم، ويعمل لإسعادهم ولو كان ذلك على حساب صحته وتعب قلبه.
وقد تجلَّى لطفه في سائر أحواله الخاصَّة والعامَّة وداخل منزله وخارجه…
وكثيراً ما كان يروقُ لي بعد الغداء أن أستريح بجانبه حتى أنام وأنا مطمئنةً عليه، فيقول لي: (بابا خذي راحتك واذهبي وارتاحي في غرفة أخرى حتى لا أوقظك بحركتي).
فأقول راجيةً: هكذا أطمئن عليك أكثر وأكونُ في خدمتك إذا احتجتَ شيئاً، أرجوك أبقني بجانبك.
فيردِّد: (الله يرضى عليك وعلى والديك).
وحدث أن رقدتُ مرةً بجانبه بعد الغداء، وكعادته كان شديد الانتباه أن لا يتحرَّك حتى لا يوقظني، وإذا بي أنتبهُ من غفلتي وهو يُشيرُ للأخت “مها الزين” أن أخفضي صوتك.
نظرتُ إليه بحنان واغرورقت عيناي، حيثُ كانت تلك الأختُ تبحثُ عني في كل غُرف البيت، وعندما لم تجدني تردَّدت مرَّتين على غُرفتنا التي كان بابُها مفتوحاً ولم ترني بجانبه.
فسألها مُستفهماً بيده دون أن يتكلم: (ماذا تريدين؟).
فأجابت بِحِيرة: سيدنا لم أجدْ الحجَّة!.. لا أدري أين ذهبت!..
فأشار إليَّ بيده وطلب منها الهدوء حتى لا أستيقظ.
دُهِشتُ من فرطِ رقَّتِهِ ولُطفه، ولَمسْتُهُ بحنان شاكرةً وناجيته: ما أروعك!..
وما أشدَّ حنانك!..، فقال: (الله يرضى عليك، إن شاء الله ارتحت؟).
قلتُ لهُ وأنا أرنو إليه: كم أنا محظوظة بك..! وكم أنت رائع..!.
لثمتُ كتفَهُ ويديهِ وقمتُ إليها: أستفهم ماذا تريد منّي…
فوجدتُها تبكي بحرقةٍ وتقول: كم هُو حنون؟!..
لم أتخيَّل إنساناً بلطفه ومحبَّتِهِ!.. كان يخشى أن يوقظكِ صوتي…!
ظلَّت يومها تبكي كلَّما رأتني، وتردِّد: ما رأيت إنساناً بحنانه…! كم هو رقيق!.. لا أصدِّقُ ما رأيت!.. كم هو لطيف!.. حماهُ الله.. حفظه الله..
حقاً لقد كان شيخنا مثال اللُّطف والرَّحمة في تعامله مع الآخرين، تجلَّت فيه صفاتُ الوارث المحمدي الذي لا يغضب لنفسه.
ولو حدث أن أثارَهُ شيء فكان بعد قليل يقولُ لي معتذراً: (بابا إذا تعب الجسد تعجز الرُّوح عن التحمل، اعذريني بابا لقد أحزنتك وضايقتك).
فتغرورق عيناي بالدموع وأقول: لا تقلْ هذا.. أرجوك لا تعتذرْ.
لم أفهمك تماماً..، أنا من أخطأ ولستَ أنت.
رحمهُ اللهُ وتغمَّده بفسيح جناته وجعلنا على منهجه وهديه وجمعنا به ثانية.
اللهمَّ آمين…
صيف 2002