أنتِ بالإيمان سيدة أي مكان
أنت بالإيمان سيدة أي زمان
أنت بالإيمان ملكة الإمكان
تزلزلين الجبال تُنبتينها ورداً وحباً
زرنا عُمان في طريق عودتنا لدمشق بعد زيارة اليابان، نزلنا في أحد قصور السلطان للإقامة فيه وفي اليوم التالي زار شيخنا السلطان قابوس وعاد مسروراً معجباً بفكر السلطان وعقله وقال لي: غداً ستقابلين أخته فقد طلبت لك موعداً، أحسست بالقلق فقلت سيدي إنها ليست مريدة حتى تسمعني بشغف، سلطانه عاشت في بريطانيا ماذا ستجد في حديثي قال: لا تخافي لقد شربتِ الكثير والمهم بذل الجهد والواجب يا بنيتي الإيمان يعلو ولا يعلى عليه.
قبل الموعد المحدد رجوته أن نذكر معاً حتى يخف قلقي وبعد العصر جاءت شابة عمانية لتوصلني إلى السلطانة، قبلت يد شيخنا طالبة منه الدعاء لي فقال مُطمئناً: سمعتِ الكثير مني وأنت بالإيمان سيدة أي مكان وأثناء الطريق كنت أردد لنفسي أنت بالإيمان سيدة أي مكان سيدة أي زمان ملكة الإمكان.
استقبلتني السلطانة فرِحة وقالت رأيت الشيخ مع السلطان في التلفاز فرغبت كثيراً في رؤيتك واتصلت فوراً طالبةً لقاءك فعلمت أنهم رتبوا الأمر وكان هناك فتيات صغيرات ينشدن لها ثم غادر الجميع نظرت إليّ ملياً قائلةً:
أعتقد أنك تحملين فكر الشيخ وروحه وشربت منه الكثير بحكم ملازمته ومجالسته. نظرت إليها بدهشة وقلت في نفسي سبحان الله ما أطيبها وأطيب معدنها –كما ذكر شيخنا أناس طيبون على الفطرة- جلست بقربي قائلةً: أحسست بقلبي أنك تحملين لي سعادةً.
قلت لها بخجل أنا سعيدة بلقائك وذكرت لها صدى لقاء السلطان بشيخنا وإعجاب الشيخ بفكره وعادته في زيارة أي بلد من البلدان ولقائه الملوك والرؤساء وحديثه معهم عن الإسلام وعظمته وسبل الطريق لانقاذه حيث يقدم الحلول لإعادة مجده، ثم تابعتُ قائلة:
صدقيني كلما رأيته حزيناً أو واجماً أحاول مواساته وإدخال السرور عليه فيرد عليّ مهموماً: أنا لا يهمني إلا الإسلام وأخاف من تقصيري أمام ربي.
رددت باسم الله، ما شاء الله، حقاً ما أعظم أن تعيشي مع عالِم تحملين همه وتشاركينه أمله.
ثم ذكرت لها تأكيده حتمية نجاح الإسلام وحقيقته وشعورنا الدائم بمعية الله معنا يرعانا ويحمينا فأكسبنا قوة الأمل مع همة العمل فصارت تردد “باسم الله ما شاء، اللهم صلِ على سيدنا محمد وآله”.
أعدت عليها ما يقوله شيخنا دائماً “إن الإنسان أخو الإنسان يحس بألمه وفرحه، وفطرة الإنسان تميز بين الحق والباطل لذلك لا بد من تغلب الفطرة عليه ويعود الإنسان إلى خالقه وأن الطريق قد يطول وقد يقصر يطول إذا بقينا في غفلة وغفوة عما يجب أن نفعل إذن يطول بإرادتنا ويقصر بإرادتنا.
فالإيمان ينقص ويزيد كما أخبرنا رسولنا الكريم، والصحبة تزيده أو تنقصه بحسب الصاحب، سرّت بما قلته وقامت لتأخذ ورقة وقلماً لتسجل ما سمعت وهي ترددُ باسم الله ما شاء الله لا قوة إلا بالله من أين لك هذا؟ قلت –وكأن شيخنا يحدثني ما أقوله-:
“إن الغافل عن ذكر الله يستوحش حتى من ذاته، ويضيق ذرعاً حتى بما يسليه، فيكون متردداً على الأطباء النفسيين وقد يصل للإدمان والانتحار لذلك كان شيخنا ينصحنا بقوله: “رأس مالكم القلب لا يكون فارغاً من حب الله وذكر الله”.
فالأصل دائماً الحب، وحب الله يوصلك إلى الهمة والنجاح وهمة شيخنا عظيمة حيث كان الناس يظنون أنه يفكر باللامعقول ولكنه جعل من جامعه الصغير جامعاً ومجمعاً وحقيقة واقعة كل ذلك بجهوده واستمراريته واهتمامه حتى بأدق التفاصيل ليكون العمل كاملاً ويقول: “الآن طاب العمل”.
كانت تهز رأسها مبتهجة بما تسمع ثم تابعتُ:
الإيمان مع المربي نقله في الشخصية المسلمة من درجة العوام إلى الخصوصية والتميز صدقيني المربي مفتاح السعادة لأنه يمشي على خريطة الله الناجحة أبداً حتى يصل بأقرب طريق فلا يبدد الطاقة في البحث فيما لا طائل فيه فالأبواب مفتوحة للصادقين وشيخنا المربي يدعونا دائماً للتفاؤل ناصحاً بقوله:
“لا تيأسوا اليأس شلل، والعمل يقوى بالأمل، وبالإرادة المخلصة، احذروا الأهواء، كونوا جسوراً لبعضكم، كونوا جسوراً فيما بينكم حتى تجتازوا الصعاب، كونوا أطباء لا قضاة تحكمون على الناس ولا تعالجونهم”.
قامت السلطانة تبحث عن ورقة جديدة لتكتب كلمات شيخنا وهي تصلي وتسلم على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، تمهلت قليلاً ثم أعدت كلمات شيخنا وهي تكتب فرحة “كونوا مطراً كونوا عطراً” المهم أن نحب الله وأن نعلم من حولنا حب الله إيمان بلا حب لا ثمرة.
ثم استأذنتها بالانصراف قائلةً: قد يقلق الشيخ عليّ وهو وحده قامت تودعني شاكرةً لقد أرسلك الله لي فجزاك الله خيراً من مبلِّغة.
عدت إلى شيخنا ووجدته قلقاً من طول الغياب وحدثته عن سعادة السلطانة وتجاوبها لحديثي فقال:
حقاً ما رأيت إنساناً لا خير فيه يا بنتي المرأة ليست فقط التي تربي أبناءها وتغدي أجسادهم فهذا العمل من بديهيات الحياة ولكن المسلمة تبني كل من تتصل به علماً وروحاً وفكراً شدي الهمة العمر محسوب بالدقائق ورسولنا الكريم كان يدعو قائلاً اللهم اجعل خير أيامي يوم ألقاك.
يعني التقدم الروحي لأخر يوم في حياتنا هذه حلاوة الإيمان.