أريدك رحمة للعالمين
كان الوقت ربيعياً بارداً، وقبل الفجر بساعتين استيقظ شيخنا، وتناول حبة خفيفة للنوم.
لمسْتُهُ بحنان: ما بك حبيبي؟ هل تريد شيئاً؟.
قال: (أرقتُ قليلاً، وأنا أفكِّر بالإسلام وتقصيرنا تجاهه، لقد رأيت أحد الزعماء في المنام، وقلت له: يجب أن نبذل أقصى جهدنا؛ يجب أن نسارع في العمل والبحث دائماً عن الحلول لعل وعسى).
ثم قال لي: (والله يا بنتي ليلي ونهاري حتى في نومي لا يشغلني إلا الإسلام والمسلمين).
رجوته أن أسقيه كأساً من اللبن فوافق بوداعة، وشرب القليل منه.
لم أستطع النوم بعدها، سبحان الله كيف يشغله الإسلام رغم كل ما يبذله من جهد وتعب.
عندما أيقنتُ بأنَّه قد نام ثانيةً، قمتُ بهدوء وتوضّأتُ لأصلِّي ركيعات قبل الفجر أدعو الله عز وجل فيها أن يشغلني به عمن سواه.
لم أُتِمّ ركيعاتي حتى أحسّ بي فنظر إليَّ عاتباً: (ما شاء الله، تصلِّين ولا توقظيني؛ أين: «رحم الله رجلاً قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته فإن أبت نضح في وجهها الماء.. رحم الله امرأة قامت من الليل فصلت وأيقظت زوجها فإن أبى نضحت في وجهه الماء»([1])).. وقام مسرعاً ليتوضّأ.
سلَّمت بسرعة ولحقته حتى أساعده، وأغلق الأبواب والنوافذ التي فتحتها لتغيير هواء البيت حتى لا يشعر بالبرد، فأغلقتها بسرعة فأحدث باب الألمنيوم المؤدي للشرفة صوتاً قوياً.
نظر إليَّ بحنان ثم قال: (أنا ما بدي علمك، أنتِ بتعرفي بس بدي ذكّرِك.
{ وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ}([2]).
كنتِ تستطيعين رفع الباب قليلاً حتى لا تحدِثي هذا الصوت).
نظرتُ إليه آسفة بعينين مغرورقتين بالدموع لأنَّه كان يعزُّ عليَّ أن أزعجه.
فقال: (بابا أنا أحبك، أريد نقلك من النقص إلى الكمال.. أريدك رحمة للعالمين).
([1]) أخرجه الحاكم في المستدرك عن أبي هريرة رضي الله عنه وقال صحيح على شرط مسلم.